سر "الثالوث الحاكم"

اليوم، غداً
05:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

تساءلنا بالأمس: هل أجهزة المخابرات، بما تمتلكه من سلطة سياسية وسطوة اقتصادية وهيمنة ثقافية، أصبحت طبقة في ذاتها ولذاتها في الأقطار العربية؟

الباحث البارز في الشؤون الأمنية والعلاقات العسكرية-المدنية يزيد الصايغ لا يرى ذلك، إلا إذا ما كان بالمستطاع، في رأيه، الحديث عن ولادة بورجوازيات دولة في الدول العربية . لكنه في ختام بحث مستفيض بعنوان إصلاح القطاع الأمني في المنطقة العربية يستطرد ليقول الآتي:

يرى (المفكر) لوكهام أنه لايجب الإطلالة على القطاع الأمني على أنه قطاع موحّد ومُتّسق، بل هو أرض متقلّبة من التحالفات الأمنية التي تنشأ مع الأزمات أو الإصلاحات .وهذا صحيح، ولكن تمركز السلطة السياسية وسلطة البنى التحتيةفي معظم المنطقة العربية، يشي بأن سياسة التحالفات هذه يُرجّح أن تحدث داخل حلقة ضيقة من المُستفيدين الرئيسيين، خاصة في الأنظمة السلطوية وأيضاً في الأنظمة شبه الليبرالية .

إذا لم تكن أجهزة المخابرات طبقة، إلا أنها تمارس بالفعل مايُشبه دور الطبقة على مستويين اثنين: دور الهيمنة الإيديولوجية (كما ألمحنا)، ودور بلورة التحالفات الحاكمة بقيادتها .وهنا ربما يمكن الحديث عن كتلة تاريخيةحاكمة حالياً في المنطقة العربية تتكوّن من ائتلاف يضم أجهزة المخابرات، والمؤسسة العسكرية، ورجال الأعمال الجدد الكومبرادوريين .كل فريق من هذا الثلاثي يؤمّن للنظام بعض مبررات الاستمرارية:الأول بتحالفاته الخارجية مع الغرب وبتمدده إلى المجتمع المدني وسطوته عليه، والثاني بقوته الخاصة والعامة في القطاع العام، والثالث بنفوذه المالي والاقتصادي .

بيد أن قوة هذا الثالوث بقيادة أجهزة المخابرات لاتقتصر على توجهاته الداخلية التي طوّرها خلال السنوات الثلاثين الماضية، بل باستناده أيضاً إلى دعم القوى الدولية المُسيطرة على المنطقة، خاصة بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، فأمريكا جزء عضوي رئيس في القطاع الأمني في المنطقة (بفعل نشاط استخباراتها، ووجود قواتها العسكرية ومقاوليها الأمنيين في العديد من الدول العربية)، وهي كانت ترفض (حتى الآن)أي إصلاح يضع الأجهزة الأمنية تحت رقابة ديمقراطية .كما أن المبادرات الأوروبية المتوسطية الثلاث تتجنب أي إشارة إلى ما يمكن أن يمس سلطة الأجهزة الأمنية في الدول العربية، وهذا مايمنح هذه الأجهزة سطوة مضاعفة في الصراعات على السلطة داخل بلدانها .

وعلى أي حال، هذا النمط من التحالفات أصبحت له تجلياته الواضحة في معظم الدول العربية، وهو يبني جزءاً كبيراً من شرعيته النسبيةمن ناحية على تخويف القوى الدولية من بدائل النظام الأصولية الإسلامية، ومن ناحية أخرى على ترهيب مواطنيه من أنه الضمانة الوحيدة للأمان والاستقرار، لا سيما في ضوء تجارب اللاأمن المُرعبة في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة والجزائر وغيرها .وهذا ما يجعل تعريف مسألة الشرعية هنا أقرب إلى تعريف سيمون ليبست الذي يحددها كالآتي:قدرة نظام سياسي ما على توليد الاعتقاد بأن المؤسسات السياسية القائمة هي الأكثر ملاءمة أو الأكثر تناسباً للمجتمع . لكن، في حسابات المجتمعات المدنية العربية، تعبير الأكثر ملاءمة أو تناسباً لايعني الأفضل، بل هو الأقل شراً . فدهر من الاستبداد ولا ليلة واحدة من الفوضى الأمنية، كان هو الشعار السائد في معظم المجتمعات العربية منذ ألف سنة وإلى ماقبل الثورات العربية الراهنة .

لكن الآن، وبعد هذه الثورات، تغيّر الوضع . لكن كيف، وإلى أين؟

[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"