سلام عليك يا بوخالد

02:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
في الأيام الثلاثة الماضية أو نحوها، حاولت مثنى وثلاث أن أمسك بالقلم وأن أكتب شيئاً، ولكن القلم كان في حالة ذعر واضطراب إذا خط مفردة عجز أن يلحق بها أخرى، وشعرت أن الذهن هو الآخر لا يقل عن قلمي اضطراباً وذهولاً .
لم أكن أريد أن أدوّن مرثية لبوخالد، عبدالله عمران، فالمراثي للقامات الشامخة لا توفي حقاً مهما عظمت ألفاظها وسمت لغتها ومعانيها، لكنني كعادتي في كل صباح أو مساء أردت أن أتبادل مع بوخالد التحية، وأنا أعرف أن التحية التليفونية لن أسمع لها رداً لأن تليفون بوخالد صمت صمتاً نهائياً، وصوته لن يصلني بعد الآن، وهنا قررت أن أكتب له رسالة وأقول له، كم أنا متشوق يا بوخالد لسماع صوتك . . دع يا أخي صوتك يطرق أذني، حتى ولو كان عبر الخيال، لا تقاطعني أيها الرفيق العزيز، فأنا لا أطيق فجيعة صمتك التي صدمتني بها برحيلك وسفرك المفاجئ . . تذكرت وأصابعي لا تقوى على حمل القلم، مقولة أبي حاتم السجستاني، إذا مات لي صديق سقط مني عضو، أما أنا فقد لعبت بي الأيام وألقت المصائب بثقلها عليّ، ولم تترك لي عضواً سالماً في جسمي، فلا يسقط عضو إلا ويلحق به عضو آخر .
ولكني تعلمت منك ومن أمثالك من أقوياء العزائم الجلد ومصارعة الخطوب، وكم أخشى بعد الفجائع التي أحدثها ذهابك أن تهن مني العزيمة وتضعف البقية الباقية من قوتي على الصمود .
كل الناس مفجوعة برحيلك أيها الأخ العزيز الغالي، أما أنا ففجيعتي من نوع آخر، نوع لا يبارح خيالي لحظة ويوخزني بوخزات الألم المبرح، وأعلم أن جذوة الفجيعة ستظل في صدري دائمة الاشتعال . . هذه طبيعتي تحرقني نيران الفجائع وتقطع أوصالي واحدة بعد أخرى . . أحتاج إلى يد حانية كيديك الحانيتين اللتين كانتا لا تدخران حناناً على أحد . . كنت يا بوخالد صديقاً حانياً ووفياً، كان من لا يعرفك يظن أن أسارير وجهك تخفي تجهماً وأنت تتحدث، كان لا يعرف أن انفعالك للحظات لا تطول، وأنك تحمل بين جنبيك قلباً كبيراً ناصع البياض، وأن أي تقطب جبين منك كان من غير بغض ولا حقد، ولم يعلموا أن وراء كثير من الابتسامات قلوباً معتمة، كنتُ وإياك نعد حامليها عداً، وكنت تقول لي دعنا ننساها ونبادلها الحب، فالحب هو المنتصر في النهاية، وكنت على صواب، وفعلاً كان الحب ينتصر وكنا نرى بين هذه القلوب من يغتسل من الدرن ويعود إليها الصفاء .
الإمارات بلد صغير وخلقه ليس بالكثير وفقدان مثلك عنه مأساة كبرى لأنك في شخصك يتمثل جمع من الناس: أنت كما قال عنك صديقك وقائدنا الكبير، الشيخ محمد بن راشد: "لقد فقدت بأبي خالد أخاً عزيزاً وصديقاً وفياً عرفت فيه مكارم الأخلاق وشجاعة الرأي وصفاء النية وصدق الانتماء لوطنه والإخلاص لقيادته" .
كانت قيادة الإمارات كلها تحترمك من أجل ما كنت تتمتع به من المكارم التي ذكرها الشيخ محمد بن راشد، ويذكرها لك كل من عرفك وجالسك . . وعزائي أيها الأخ العزيز أنك باقٍ بيننا معنوياً بعقلك وفكرك وثقافتك من أجل أن يرى العالم الإمارات بلد الخير وبلد الرخاء والسؤدد ورعاية حقوق الإنسان .
كنت يا بوخالد مع شقيقك الراحل أبي نجلاء توأمين شاركتما معاً خوض معمعة معارك تكوين الاتحاد في مخاضه وفي ولادته، وتحملتما معاً من الحمل ما تنوء به الكواهل، واجتزتما بشجاعة عقبات دونها عقبات وكانت "دار الخليج للصحافة" التي أسستماها وحملتما أعباءها على كتفيكما قد أشعت بضوئها الكاشف دروب تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة وإنمائها لتصل إلى ما وصلت إليه الآن من رقي ومجد . . ولقيتما معاً من العنت ما لقيتما في الفتن التي اعترضت الاتحاد والتي حدثت عام 1972 وعام ،1987 بسبب وقفتكما وقفة الشرفاء في الذود عن الحق والشرعية وفي كلتا الحالتين كنتما كالطود تدافعان عن الشرعية بالقلم الشريف وبالموقف الشريف .
وعندما فارق أبو نجلاء رحمه الله اعتقد البعض أن راحلة سيركما قد تصاب بالوهن في السير الحثيث نحو المعالي، التي خططتما لها، ولكنك كنت يا أبا خالد شجاعاً قوي العزيمة، لم تلق العصا ولم يستقر بك النوى، واستطعت أن تخلق مجداً فوق مجد، يعطي المثل الجميل للرجل العربي الخليجي المنتج، وأصبحت جملة رجال في رجل واحد، رجل الصحافة والإعلام الذي لا يشق له غبار، ورجل السياسة النبيه الفاهم، ورجل الاجتماع والحضور الدائم بين الناس، والجمع بين كل هذا لا يأتي إلا لأولي العزايم المتميزين .
فسلام عليك يا بوخالد، ويا أيها الأخ العزيز ورحمة الله وبركاته .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"