سوريا الجديدة في ظل البيات الشتوي الأمريكي

01:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق
ليس غريباً أن ينشط العمل العسكري في سوريا بالتزامن مع تراجع الدبلوماسية. والأرجح أن يستمر هذا الوضع خلال الأسابيع المقبلة، إلى أن تستيقظ واشنطن من إغفاءتها السياسية الراهنة، بعد أن تتسلم إدارة جديدة مقاليد السلطة.
كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المتورطة في الأزمة السورية، تقرأ هذا الوضع جيداً. وتعرف أن واشنطن ستظل عاجزة تقريباً، عن اتخاذ قرارات حاسمة حتى العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل، عندما تتولى إدارة ترامب مسؤولية الحكم. وبعد ذلك ستحتاج الإدارة الجديدة أسابيع عدة لتقييم ومراجعة الموقف وبلورة سياستها الخارجية، بما في ذلك ما ستفعله تجاه سوريا.
تدرك تلك الأطراف أن التفاوض مع واشنطن حالياً مضيعة للوقت، لأن أي اتفاق معها قد تنقضه الإدارة الجديدة. لذلك لم يكن غريباً أن تبدي هذه الأطراف نوعاً من التجاهل، أو حتى الاستخفاف بإدارة أوباما. تجلى ذلك في تطورين مهمين الأسبوع الماضي، الأول تمثل في «الفيتو» الروسي المدعوم صينياً لإحباط مشروع القرار الدولي الذي تؤيده واشنطن، والخاص بالهدنة في حلب. التطور اللافت الآخر كان استضافة تركيا لاجتماع بين روسيا وفصائل المعارضة لم تدع إليه واشنطن، في وقت تجمدت فيه تقريباً مباحثات جنيف بينها وبين موسكو.
عسكرياً، تبدو مرحلة البيات الشتوي السياسية في واشنطن هي الأنسب للاعبين الرئيسيين، روسيا وإيران وتركيا والنظام السوري، لتحقيق مكاسب مهمة، وخلق واقع جديد على الأرض يدعم موقفهم التفاوضي إذا حانت لحظة البحث عن تسوية سياسية مع ترامب.
الخريطة العسكرية التي تحاول الأطراف تشكيلها حالياً، مطمئنة إلى غياب أي ضغوط أمريكية جادة، قدمت بعض ملامحها مجلة «فورين افيريز» الأمريكية المعروفة. بالنسبة إلى تركيا فهي تسعى لتطوير عملية درع الفرات التي تعتبرها المجلة أهم تطور عسكري تشهده الساحة السورية منذ ظهور ««داعش»» عام 2014. ومنذ أغسطس/آب الماضي فرض الوجود التركي نفسه بقوة مدعوماً بمقاتلين عرب وتركمان انتشروا في المناطق الشمالية الشرقية. وقبل الحديث عن أهداف تركيا نشير أولاً إلى أن الشرق السوري ظل مقسماً طوال العامين الأخيرين على الأقل بين «داعش»، ووحدات حماية الشعب الكردي، وهي جزء من الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، العدو اللدود لأنقرة.
يضاف إلى ذلك التشكيل المعروف باسم القوى الديمقراطية السورية، وهي تحالف قوامه الأساسي قوات وحدات حماية الشعب الكردي. وهذا الفصيل هو الميليشيا الوحيدة التي تدعمها واشنطن في تلك المنطقة لمقاتلة «داعش».
التحرك التركي على هذه الجبهة يستهدف الانقضاض على عدوين في وقت واحد. الأول هو الوحدات الكردية. وتريد أنقرة تحديداً منعها من ربط وتوحيد المناطق الخاضعة للأكراد حول بلدة منبج (محافظة حلب) مع تلك الواقعة غرباً في عفرين. العدو الآخر هو «داعش»، وتريد تركيا أن تحكم سيطرتها على تلك المنطقة لكي تكون نقطة حشد وانطلاق لعملياتها ضد التنظيم الإرهابي.
ومن غير المستبعد أن يبدأ الهجوم التركي المرتقب على الرقة عاصمة «داعش» انطلاقاً من شمال مدينة تل أبيض الخاضعة للأكراد، وهؤلاء أيضاً يسعون لتحرير الرقة. السيناريو الأسوأ هنا هو أن يندلع القتال بين تركيا والأكراد في ضوء العداء المزمن بين الجانبين.
في الغرب، حيث يتقاسم نظام الأسد والمعارضة بكل أطيافها السيطرة على الأرض، تبدو كفة النظام هي الأرجح. وبات استحواذه على حلب شبه محسوم تقريباً. وسيكون سقوطها أكبر الإنجازات وأهمها من الناحية العسكرية. فيما يتبقى للمعارضة أدلب ومناطق في درعا والقنيطرة، إلا أن استمرار سيطرتها على تلك الأرضي يظل مشكوكاً فيه مع تراجع الدعم الأمريكي، وشراسة الهجمات الحكومية المدعومة بقوات حزب الله وإيران وروسيا.
يضعف من موقف المعارضة كذلك وجود قوات جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) التي ينظر إليها باعتبارها امتداداً للقاعدة، وبالتالي لا تدين واشنطن الغارات الروسية والسورية على هذه المناطق، حيث تتداخل قوات المعارضة والجبهة. ولا تفرق الغارات بالطبع بين الجانبين.
في ضوء ذلك، فإن النتيجة المؤكدة هي اندلاع جولة جديدة من القتال الشرس الذي تبدو كل الظروف مهيأة ومشجعة له. وستظل سوريا تنزف ما دامت كل الأطراف تبدي هذا القدر من التعطش للدماء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"