سوريا والإقليم.. نحو حسم سياسي

03:44 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
تحدثت أنباء خلال الأيام القليلة الماضية عن اتصالات بين طهران وأنقرة وموسكو، حول الأزمة السورية، لم تتحدث العواصم الثلاث بصورة رسمية عن هذه الاتصالات، ربما بانتظار أن تسفر عن نتيجة مُرضية ولو في الحد الأدنى.
العواصم الثلاث ذات تماس مباشر بالأزمة، طهران وموسكو تخوضان الحرب بصورة مباشرة وعلنية إلى جانب النظام، أنقرة تدعم المعارضة دعماً كبيراً وملموساً، للأطراف الثلاثة تأثير جوهري على مجرى الصراع، وأكبر من تأثير الثنائي الأمريكي والروسي، ليس هناك ما يرشح بأن طرفاً من الأطراف الثلاثة قد تراجع عن مواقفه وسياساته، حتى تاريخه، غير أن معركة حلب برهنت على أن الباب مفتوح على استنزاف بشري وميداني. المدنيون في شطري حلب يدفعون الثمن الأكبر، لكن المقاتلين على الجانبين يتعرضون لاستنزاف ملحوظ ومتزايد، نائب أمين عام حزب الله نعيم قاسم تحدث قبل أيام عن أن المعركة في حلب طويلة، وقد لا تنتهي قبل ولاية الرئيس أوباما، نبرة الحماسة التي كانت تميز خطابات مسؤولي الحزب خفتت. مقاتلو المعارضة يخسرون بدورهم، لكنهم في الميزان السياسي لا يخسرون، فليس ثمة بيئة ضاغطة عليهم لوقف القتال، كما هو حال الميليشيات على الجانب الآخر. الأمور وصلت إلى نقطة توازن حرج بالنسبة للنظام، والمشاركة الإيرانية والعراقية واللبنانية والأفغانية، لم ترجح ميزان القوى. موسكو تتسيّد نسبياً في الجو، لكنها لا تضمن ما الذي يحدث على الأرض.
لقد جرى تفريغ مفاوضات جنيف على مدى الأعوام الثلاثة الماضية من جدواها ومرجعيتها، وتم القفز عنها بأمل حسم الوضع عسكرياً، والحديث على مدار الساعة عن الإرهاب، لا معنى له إذا لم تحدث استدارة فعلية نحو منطق التسوية. مدنيون يسقطون كل يوم بالعشرات في قصف الطائرات، والعالم كله يعرف من يملك الطائرات، لقد تم تيئيس العالم لا السوريين فقط من فرص الحل السياسي، واستخدمت مناورات لإقصاء الأمم المتحدة، وجعل مهمة مبعوثها دي ميستورا شبه مستحيلة. يُفترض أن الدول تتصرف بمسؤولية أكبر من الجماعات المسلحة، لكن واقع الحال يثبت غياب الشعور بالمسؤولية حتى الآن، لقد بدت الحرب في محطات عديدة وكأنها استعراض للقوة وتجريب لأسلحة جديدة، لكنه استعراض مدمر لمقدرات بلد، ولحقِّ شعبه في الحياة بأمان وكرامة.
ثمة طريق للحل معروفة وسالكة إذا ما توفرت إرادة سياسية حقيقية، إنها طريق التسوية التي توافقت عليها أغلبية دول العالم بما فيها روسيا، كما أقرها جنيف 1 في 2012. العودة إلى هذه الطريق هي وحدها التي تفتح الباب أمام مواجهة منسقة وفعالة ضد القوى الأكثر تطرفاً وعلى رأسها «داعش» الإرهابية.
بوسع الدول الثلاث إن شاءت أن تضمن هدنة فعلية لا يكون رعاتها هم أول من ينتهكونها، هدنة ترعاها الأمم المتحدة وتأتي ثمرة لاتفاق الدول الثلاث، وتحظى بأوسع تأييد إقليمي ودولي، مع ضمان ألّا يُحاصر أحد في حلب، لا في الشطر الغربي الذي يبسط النظام نفوذه عليه، ولا في الشطر الشرقي الذي تسيطر عليه المعارضة، على الدول الثلاث إيران وتركيا وموسكو أن تتجه لاتفاق سياسي مبدئي، يحرّم بصورة قاطعة لا لبس فيها استهداف كل المدنيين في كل أنحاء سوريا، اتفاق كهذا سيؤيده كل السوريين، وسوف يشق الطريق نحو الحل السياسي.
لقد تقرر سابقاً أن يُعقد لقاء قمة روسي تركي. إذا عقدت القمة كما هو مقرر، فلا شك في أن الأزمة السورية ستحتل حيزاً كبيراً من مباحثات الرئيسين بوتين وأردوغان، بوسع الرجلين بما يتمتعان به من نفوذ هائل على مجريات الوضع السوري أن يظهرا إرادتهما لوقف الحرب والذهاب إلى التسوية، مع إجراء الاتصالات اللازمة مع الطرف الثالث الإيراني، وتشجيعه على تنكب طريق الواقعية وأن يكون للسياسيين كلمتهم في طهران، لا أن تكون الكلمة للحرس الثوري فقط، ومن أجل عودة التعاون على مستوى الإقليم بما يعود بأفضل النتائج على إيران وغيرها من دول المنطقة، وبما يضع حداً للشحن الطائفي المقيت الذي لم تشهد المنطقة مثيلاً له منذ قرون.
معلوم أن الدول الثلاث لحقتها أضرار هائلة نتيجة استعصاء الأزمة السورية، وبسبب اللجوء إلى الخيارات القصوى، كما أن بقية دول المنطقة ارتدت عليها الأزمة سلبياً على غير صعيد من لبنان إلى الأردن إلى العراق، لقد أثبت الثنائي الأمريكي الروسي فشله في التوصل إلى توافقات جدية ملزمة تضع حداً للأزمة، فهل تفعلها روسيا وتركيا وإيران وتتوصل معاً إلى اتفاق واقعي يستند إلى الشرعية الدولية، وإلى حق السوريين في العيش بأمان وكرامة في وطنهم، بما يقود إلى مفاوضات مثمرة بين أطراف النزاع؟
بدت الحرب في محطات عديدة وكأنها استعراض للقوة وتجريب لأسلحة جديدة
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"