عنف اليمين المتطرف

03:44 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

يرصد موقع ألماني ذو صدقية عالية وقوع العشرات من الهجمات التي اقترفتها مجموعات يمينية متطرفة ضد مهاجرين ومقيمين من أصول إفريقية أو شرق أوسطية أو مسلمة. وقد جاء هذا الرصد بمناسبة وقوع هجومين على مقهيين قرب مدينة فرانكفورت، أسفرا عن سقوط عشرة ضحايا، معظمهم من الأكراد. ويعود بدء هذه الهجمات، حسب موقع «دويتشه فيله» إلى عام 1990، وذلك مع بعض التغير في مسميات المجموعات المتطرفة التي تستلهم مبادئ نازية وعنصرية، وقد بلغ عدد ضحايا هذه الهجمات 198 ضحية.
ويسترعي الانتباه هنا أن تاريخ بدء هذه التعديات يعود إلى ما قبل هجمات القاعدة الإرهابية على البرجين الأمريكيين في سبتمبر 2001. وقبل انتشار موجة «الإسلاموفوبيا»، بأزيد من 11 عاماً.
وفي أيامنا هذه، فإن هذه الموجة من الكراهية لا تقترن فقط بمجموعات متطرفة تمتهن العنف الأعمى، إذ بات لهذه الموجة ممثلون في المجتمع السياسي والمدني في العديد من الدول الأوروبية، وبعضهم وصل إلى مقاعد البرلمان في بلادهم وإلى مقاعد البرلمان الأوروبي، وبات قوة سياسية يُعتدّ بها كما هو الحال في إيطاليا والنمسا وهولندا وفرنسا ودول أخرى.
ومن دواعي الأسف أن خطاب هذه الأحزاب يوفّر بيئة لازدهار العنف. وهذا هو الحال في ألمانيا مع صعود حزب البديل اليميني المتطرف، حيث وقع الهجومان الأخيران. فيما تم في الآونة ذاتها (الجمعة الماضية ال 14 من فبراير / شباط) الكشف عن إلقاء القبض على مجموعة تتكون من 12 فرداً خططت لاستهداف سياسيين وطالبي لجوء مسلمين في هذا البلد. وبينما انحسرت بشكل ملحوظ الجرائم التي تُرتكب باسم الإسلام في العديد من الدول الغربية، إلا أن جرائم مماثلة يرتكبها أو يُعد لها اليمين المتطرف باتت في ازدياد، وهو ما يصعب معه اعتبارها مجرد ردود أفعال. فظاهرة التطرف أخذت في الأعوام الأخيرة تتوطن في مجتمعات نابذة للعنف.
من أهم هذه العوامل ما تتعرض له الأحزاب السياسية الرئيسية من تراجع في نفوذها السياسي والمعنوي، وفي ما تحصده من نتائج في الانتخابات، ووسط هذا الفراغ الناشئ تزدهر أحزاب اليمين المتطرف، وتزداد المخاطر من تفشي ظاهرة العنف بعد أن افتقد شبان ضائعون آباء وقادة روحيين يلهمونهم بنزعات بناءة حول التنافس السلمي الديمقراطي، ويبثّون قيم الاحترام للتعددية للثقافية والاجتماعية. فيعمد هؤلاء الشبان إلى أن يتخذوا من الزعامات السياسية المتطرفة مثالا لهم!
تضاف إلى ذلك الأزمات الاقتصادية في مجتمعات تقدس الاستهلاك، والعجز عن تلبية الحاجيات اليومية، ويسهل خلال ذلك تصوير المصاعب التي يتعرض لها أي شخص في مكان عمله أو سكنه، على أنها ناجمة عن موجات الهجرة واللجوء، وليس عن تقصير شخصي أو ضعف في تطوير القدرات الذاتية، وفي برامج الإعانة للمتعطلين، أو عن إدمان على المسكرات والمشكلة بعدئذ أن الكراهية العمياء إذ تتجه في البداية نحو أهداف محددة تستهدف الآخر المختلف، فإنه يسهل لاحقاً أن تتجه نحو أي هدف تنشأ تجاهه مشاعر كراهية آنية.
ويستعيد التقرير المذكور للموقع الألماني وقائع تعرضت فيها مراقص لاعتداءات، وكان الضحايا من بين الألمان، كما وقع في يناير من عام 2003، أو حتى استهداف شخصية سياسية كما حدث في عام 2016 باستهداف مرشحة لمنصب عمدة كولونيا. ولا يقتصر أمر استشراء العنف الذي تتبناه مجموعات يمينية متطرفة على ألمانيا فقط، بل يمتد إلى دول ومجتمعات أوروبية أخرى. ما يمثل تحدياً أمنياً وعنصر إقلاق يهدد السلم الاجتماعي.
وللأسف، فإنه لا يبدو أن هذه الظاهرة هي مجرد حلقة ناشزة في الحراك الاجتماعي، إذ إن موجة الشعبوية التي تكتسح العديد من المجتمعات، وبما يتعدى أوروبا إلى دول كبرى في عالمنا لا تقتصر على أمريكا، هذا مع شيوع ظاهرة مستجدة تتمثل في التعصب الديني في هوامش المجتمعات وأطرافها، إضافة إلى أن ازدهار ظاهرة الأحزاب اليمينية المتطرفة ومزاحمتها للقوى الليبرالية والتقدمية هي من العوامل التي تنبئ بأن مجتمعات متقدمة باتت في سبيلها إلى الانكفاء الثقافي والسياسي، بعد عقود من اعتناق أفكار وتقاليد التنوير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"