عن الانتخابات الأمريكية القادمة

03:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العزيز المقالح

كنت قبل سنوات قد كتبت أكثر من مرة أدين الاهتمام بانتخابات الرئاسة الأمريكية، لأنها حسب موقفي في ذلك الحين لا تعنينا من قريب أو بعيد، وهي شأن أمريكي داخلي خاص، وأن الفضول وحده هو الذي يدفع بعض العرب إلى الدخول في معمعة الكلام عن تلك الانتخابات، مقدماتها وأبعادها في أدق تفاصيلها ونتائجها، لكنني رجعت بعد فترة عن ذلك الموقف، وأدركت أنني وقعت في خطأ كبير. فما يجري في العالم كله وفي الولايات المتحدة الأمريكية خاصة يعني كل الناس وكل الشعوب، فقد نجحت هذه الدولة العظمى في أن تجعل مصير العالم يرتبط بمواقفها وما يحدث فيها بعد أن امتد نفوذها السياسي والعسكري إلى كل مكان على هذه الأرض. وهذا النفوذ المستشري لا يهدد الشعوب الفقيرة وحدها، وإنما يهدد الشعوب الكبيرة أيضاً، وهو ما يجعل عيون هذه الشعوب الكبير منها والصغير مصوَبة لقراءة كل حدث يتم في هذه الدولة النافذة التي لم تكن لعبة الانتخابات فيها سوى واحدة من الألعاب الظاهرة التي تخفي ألعاباً أخرى أكبر وأهم.
ومن المهم أن ندرك أن أغلب الذين يتابعون أخبار الولايات المتحدة الأمريكية وانتخاباتها الدورية باهتمام، ليسوا من أصدقاء هذه الدولة ولا من المعجبين بمواقفها وبنظامها الديمقراطي، بل هم ممن يخافون منها ولا يخافون عليها، وهنا يتضح سبب الاهتمام المبالغ فيه أحياناً بالانتخابات القادمة، وربما تكون المتابعة في هذه الانتخابات الساخنة أكثر من أي وقت مضى، لأن المتنافسين فيها ليس الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري وإنما هما هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، الشخصيتان اللتان على درجة عالية من التناقض، حيث يصعب معهما تصور أدنى قاسم مشترك، ليس لأن كلينتون امرأة وترامب رجل، بل لأن الأجندة الشخصية للمتنافسين تتصادم في كل شيء باستثناء الولاء للكيان الصهيوني، والاعتراف بأن أمنه وسلامته جزء لا يتجزأ من أمن وسلامة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو موقف معلوم سلفاً، وتتناسخ شعاراته ويتم تداولها في كل الانتخابات، لكن الاختلافات والتناقضات التي أشير إليها وتبدو حادة وصادمة هي في قضايا أخرى، تعني علاقة الدولة العظمى بدول الشرق عموماً، والدول العربية والإسلامية خصوصاً.
وفي هذا السياق، سياق التناقض بين المرشحين للرئاسة الأمريكية، لن أتحدث عن تصريحات ترامب التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ المرشحين للرئاسة الأمريكية، وهو موقفه المعلن من العرب والإسلام، وإنما سأتحدث عن موضوع آخر صغير ومثير ويكشف عن العقلية الانغلاقية لهذا المرشح، وأعني به وعده بأنه في حالة نجاحه رئيساً لأمريكا سيعمل على وقف خدمة الإنترنت في العالم كله، ولا أظن هذا من أهداف الحزب الجمهوري، وإنما هو هدف خاص بهذا المرشح الذي يكشف جهله المطلق في الشأن العام كونياً، وفي كيفية مواجهة الأخطاء التي تتم عن طريق استغلال الوسائل الحديثة للتواصل، فإذا كان بعض المستفيدين من هذه الوسيلة يستغلونها بطريقة تتنافى مع القيم من ناحية أو يستغلونها للتخريب من ناحية ثانية، فإن هناك إجراءات أخرى تمنع مثل هذا الانحراف من خلال استصدار تشريعات تحول بين العابثين وما يقومون به وتكون بديلاً عن الحجر والإغلاق والانغلاق.
ويزيد التناقض بين المرشحين في السياسة الخارجية، فالمرشحة الديمقراطية التي تتوهم أنها تعرف تعويذة العالم من خلال توليها حقيبة وزارة الخارجية، تطمح إلى مزيد من الاهتمام بالشأن الخارجي، ولها أهدافها التفتيتية التي تتفق مع رؤية الكيان الصهيوني فيما يتعلق بالوطن العربي وما يسمى بالشرق الأوسط عامة. في حين أن المرشح الجمهوري يرى أنه آن الأوان للعودة إلى الداخل وإعطاء الأولوية للشأن الداخلي قبل أن تتفجر الدولة العظمى من داخلها، ويتهاوى المجد الإمبراطوري تحت ضربات السخط الداخلي والانكسارات الخارجية بعد أن تحولت الدولة العظمى إلى شرطي يدافع عن مصالحه الموهومة، ويكتسب بتدخلاته في شؤون الآخرين المزيد من الحقد والكراهية.
أغلب الذين يتابعون أخبار الولايات المتحدة الأمريكية وانتخاباتها، ليسوا من المعجبين بمواقفها، بل هم ممن يخافون منها ولا يخافون عليها

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"