فلسطين ووحدة المقاومة

04:23 صباحا
قراءة 3 دقائق

نجحت المقاومة الفلسطينية في التصدي للعدوان الصهيوني على غزة، وفاجأت جنرالات جيش الاحتلال عندما بدأت صواريخها تتساقط على مدن بعيدة داخل العمق الإسرائيلي، وبصرف النظر عن مضامين اتفاق الهدنة الذي أُبرم مع قادة تل أبيب برعاية مصرية وموافقة أمريكية؛ فإن المقاومة خرجت من هذه التجربة الجديدة والصعبة أكثر قوة وصلابة، لأنها برهنت بكل وضوح لكل قيادات العدو، أنها مازالت قادرة على التحكم في الوضع وعلى توجيه معادلة الصراع، وبإمكانها أيضاً أن تُحرج الطرف الصهيوني بمفاجآت جديدة في صورة ما إذا قرر، هذا الطرف المعروف بصلفه وعدوانيته، أن يغامر بشن حرب برية ضد المقاومة الفلسطينية في غزة . فقد بات أغلب الملاحظين مقتنعين أن المقاومة الفلسطينية، تمتلك حالياً قدرات عسكرية ضاربة تمكّنها من الدفاع عن نفسها بكل قوة واستماتة في أي التحام عسكري مقبل بين المقاومين وجيش الاحتلال، ويؤكد هؤلاء الملاحظون أن المقاومة استطاعت أن تحصل في الآونة الأخيرة على أسلحة جديدة مضادة للدروع، تسمح لها بإلحاق أضرار بليغة بدبابات ومصفحات الجيش الإسرائيلي .

غير أنه ورغم هذا النجاح الباهر الذي حققته المقاومة الفلسطينية في غزة، فإن هناك من يرى أن أطرافاً إقليمية حاولت أن توظّف هذا النصر المؤزر من أجل بث الفُرقة والشقاق بين المجموعات والتنظيمات المختلفة للمقاومة في كل من فلسطين ولبنان؛ متناسية بذلك أن تلاحم قوى المقاومة ووحدتها، يمثل الضامن الأكبر من أجل ديمومتها واستمراريتها . فقد استطاعت المقاومة بفضل وحدتها أن تفرض واقعاً سياسياً جديداً ومعادلة عسكرية صعبة على العدو الصهيوني، وبالتالي فإنه وبصرف النظر عن الاختلافات المذهبية والسياسية، فإن المقاومة العربية في كل من فلسطين ولبنان يجب أن تظل متحدة، ويُفترض أن يستمر من ثمة، التنسيق والتشاور بين كل مكوناتها، لأن الجانب الإسرائيلي راهن في مراحل سابقة، على شق صف النظام الرسمي العربي، ونجح في استدراج أطراف عديدة منه إلى مفاوضات ثنائية من أجل إبعادها عن معادلة الصراع العربي- الإسرائيلي، وهو يسعى الآن إلى شق صفوف المقاومة من أجل الاستفراد بجانب منها وتحييد فصائل أخرى؛ وخاصة أن وزير الخارجية الصهيوني ليبرمان كان قد صرح في غمرة القصف الصهيوني على غزة، أن كيانه لا يريد هدنة تستمر لمدة أسبوع أو أسبوعين، ولكنه يريد هدنة طويلة لمدة قد تستمر لأكثر من 5 سنوات .

وتوحي هذه التطورات بأن الجانب الإسرائيلي يريد في الفترة المقبلة أن يستثمر الأحداث الدامية التي تجري في سوريا، من أجل تصفية ما بقي له من حسابات عالقة منذ سنة 2006 مع المقاومة في جنوب لبنان . وأضحى واضحاً بالتالي، أن العدو الإسرائيلي، ومثلما كان يرفض دائماً الدخول مع العرب والفلسطينيين في عملية سياسية مشتركة تضم كل ألوان الطيف العربي، فإنه بات مقتنعاً أن تصفية المقاومة يجب أن تتم عبر بوابة تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ، حتى يستطيع أن يحقق، ضد هذه المقاومة المجزأة ما لم يستطع أن ينجزه حتى الآن مع المقاومة الموحّدة في فلسطين ولبنان .

ونعتقد في هذا السياق أن سعي بعض الأطراف السياسية والإعلامية، إلى التشكيك في دعم المقاومة اللبنانية لصمود أشقائها في غزة، يأتي ضمن استراتيجية تهدف، في ما نزعم، إلى خلق وضع سياسي جديد وترتيبات جيوسياسية مغايرة، على ضوء التحولات الإقليمية الجديدة، من أجل عزل المقاومة اللبنانية في الجنوب . الأمر الذي سيسهل لا محالة، من مهمة تصفية هذه المقاومة من طرف العدو الصهيوني . كما نظن أن إقدام هذه الأطراف على تبني مثل هذه الحسابات التبسيطية والخطرة، شبيه إلى حد بعيد بالخطأ العربي السابق الذي هيّأ الظروف لاحتلال العراق، ومهّد من ثمّ لإخراجه من معادلة التوازن الإقليمي في المنطقة .

ولا مندوحة من الاعتراف في هذه العجالة، بأن من يطمحون إلى خلق تحالفات وتوازنات سياسية جديدة في المنطقة على حساب وحدة المقاومة، سيكتشفون بعد فوات الأوان أنهم حاولوا تصحيح الخطأ السابق بأخطاء جديدة أفدح منه، لأن معادلة الصراع العربي الصهيوني يجب أن تبقى هي المحدد الأساسي في رسم السياسات الكبرى في المنطقة، من منطلق أنه ومن دون مقاومة قوية وموحدة، على طول حدود دول الطوق العربي، ستجد الأنظمة العربية نفسها عاجزة - مستقبلاً- عن الدخول في حرب تقليدية ضد العدو الصهيوني، ومن نافلة القول أن نؤكد في الأخير أن من يُكثر العدّ والحساب سيضيف إلى حسابه الشخصي حصيلة إضافية ليس لها وجود إلا في مخيلته .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"