في ضرورة إنعاش الوعي

01:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسن العديني
لا بد أن مفارقة غريبة طرحت نفسها في ذكرى وحدة مصر وسوريا في 22 فبراير شباط مع المآل الذي صارت إليه الأوضاع في العالم العربي وفي سوريا على وجه التحديد بعد 59 سنة من تلك اللحظة المثيرة في تاريخ العرب الحديث يوم حمل السوريون سيارة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في دمشق، وقبلها حين تنازل الرئيس شكري القوتلي لنظيره المصري.
كان النضال العربي قد بلغ في ذلك الوقت مرحلة عالية من التقدم وتحقيق الانتصارات. وكان جمال عبد الناصر قد غدا أسطورة في نظر الجماهير وعند النخب العربية، بل وفي العالم بأسره حتى قال له جيفارا عند زيارته مصر: «لقد كنا نستلهم نضالنا في جبال السيرا مايسترا من صمودكم في السويس». كان خلال ست سنوات فقط قد أسقط النظام القديم في مصر وحرر الفلاح بإنهاء الإقطاع من خلال قانون الإصلاح الزراعي وأخرج الإنجليز من قاعدة قناة السويس ومد يده إلى الاتحاد السوفييتي فكسر احتكار السلاح وتصدى لحلف بغداد وتزعم مع نهرو وتيتو وشوآن لاي وسوكارنو مؤتمر باندونج الذي تمخضت عنه حركة عدم الانحياز الوازنة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي، كما دعم ثورة الجزائر وصمم على بناء السد العالي وأمم قناة السويس وانتصر مع شعب مصر ومن ورائهما جماهير الأمة العربية على العدوان الثلاثي مجبراً القوة الاستعمارية على أن ترحل تلعق جراح الهزيمة. بهذا أصبح عبد الناصر ملء سمع الدنيا وبصرها وراح يسبح في الأضواء معبوداً للجماهير، مستولياً على قلوبها وعقولها حتى أنها بالغت في الآمال بما هو فوق طاقة النضال العربي وبأكثر من إمكانات مصر التي لم تعد قادرة على الاعتذار عن مطالب الشعوب العربية في الاستقلال والحرية والكرامة وفي العدل الاجتماعي والوحدة القومية. لذلك استجاب عبد الناصر لرجاء 22 ضابطاً من قادة الكتل المتنافسة في الجيش السوري على أن يمضي في الوحدة بعد أن رأى من مخاوفهم ما يدفعه إلى التضحية بمغامرة إلى خطوة كان يرى أنه لا تزال أمامها خمس سنوات لخلق الظروف المناسبة لوحدة متينة الأساس وصلبة الجدران. وكانت لحظة عميقة المعنى إلى أبعد مدى عندما أعلن أن «دولة قامت في الشرق تحمي ولا تهدد ،تصون ولا تبدد ،تشد أزر الصديق، وترد كيد العدو لا تتحزب ولا تتعصب تنشد الخير لها ولمن حولها وللبشرية جمعاء».
مثلت الوحدة جسراً واصلاً بين مشرق الوطن العربي ومغربه في تحدٍ للاستعمار الذي أقام «إسرائيل» فاصلاً وقاطعاً بين جناحي الأمة. ولذلك ملأ المستعمرون الغضب واستولى الفزع على قادة «إسرائيل» من إحساس بأن دولتهم باتت بين فكي كماشة أو أن المطرقة والسندان قد طوقاها. ومن تلك اللحظة مضى النضال العربي إلى إطلاق رصاصة الموت على حلف بغداد بقيام ثورة العراق في يوليو.
لكن الحياة لم تكن مبتسمة على الدوام والتاريخ لم يشع ببريق الأمل في كل وقت، فقد نزلت هزائم أرهقت النضال العربي وحصل انفصال سوريا عن مصر الذي قادته مجموعة ضباط ضد إرادة الشعب السوري، وهو رغم مرارته لم ينجح في عزل الشعبين عن بعضهما بعضا، ولا في إبعاد شعب سوريا عن شعوب الأمة العربية. رغم ذلك فقد أشاع الأمل من جديد من الركن الجنوبي في شبه الجزيرة العربية بفضل ثورة اليمن التي قضت على أعتى حكم كهنوتي في صنعاء ومهدت لثورة ثانية أجبرت الاستعمار البريطاني على الرحيل من عدن. لكن ذروة المرارة والمأساة تلك الهزيمة في يونيو 67 بفعل حرب خاطفة وغادرة وتواطؤ القوى الاستعمارية مع «إسرائيل»، ورغم ذلك فقد استعيدت المبادرة في حرب الاستنزاف حتى أكتوبر المجيد الذي لم يستثمره الأداء السياسي وإنما تهاوى بعده إلى كامب ديفيد ولعله من هناك بدأ الانحدار الذي أوقعنا في المستنقع الذي نعيش فيه اليوم.
هذه المأساة تجعل ذكرى الوحدة ثمينة لكنها مرت ولا أحد يتذكر. هل لأن الذاكرة مثقوبة أم لأن الألم يعتصر القلوب من فرط الأهوال والكوارث والخراب.
إن إنعاش الذاكرة لابد منه لإعادة اكتشاف طريق الأمل. كم هو ضروري ومهم ؟.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"