في مواجهة الكوارث الطبيعية

04:45 صباحا
قراءة 4 دقائق

إن التسونامي في اليابان والزلازل في هاييتي وإعصار كاترينا هي من أسوأ الكوارث الطبيعية التي حدثت مؤخراً . إن الدمار الكبير الذي حصل أدى إلى مصرع الآلاف من البشر وتدمير في البنية التحتية الحيوية وإحداث شلل في الاقتصادات . بالرغم من الاختلاف الكبير بين المجتمعات التي تأثرت بتلك الكوارث فإن أوجه الشبه في ردها على تلك الكوارث كان واضحاً للعيان . إن تدفق الدعم من جميع أنحاء العالم أظهر مدى قدرة الإنسانية على التحرك عندما تكون في أفضل حالاتها .

بينما يعكس الدعم الدولي في وقت الأزمات ما يبدو أنه رد أخلاقي بالفطرة على معاناة الآخرين، فهو أيضاً يظهر بوضوح مزعج أن إثارة نفس المستوى من التعاطف يصبح أصعب عندما تكون الأزمة مزمنة بدلاً من أن تكون مفاجئة وغير متوقعة ودراماتيكية .

إن من أكثر التحديات الصحية العالمية تدميراً على كوكب الأرض هو تحدي الملاريا التي تحصد حياة أكثر من 80 ألف إنسان سنوياً وخاصة بين الأطفال الأفارقة . طبقاً لمؤسسة الشراكة من أجل دحر الملاريا فإن 2000 طفل يموتون من المرض يومياً، ولكن وبخلاف ما يحصل بعد كارثة طبيعية لا توجد صور من أجل أن تعكس حجم المأساة . إن خسارة الأرواح في الحالتين محزنة للغاية، ولكن في حالة الملاريا لا توجد صور فظيعة ما يجعل من السهولة بمكان على المرء أن يفقد اهتمامه بضحايا الملاريا .

إن وفيات الملاريا تمثل قضية أخلاقية في المقام الأول ولهذا السبب تشعر الأمم المتحدة والبنك الدولي والصندوق العالمي ومؤسسة توني بلير لحوار الأديان، والقادة الأفارقة والكثير من الحكومات والمنظمات والأشخاص أن عليهم أن يتحركوا .

لقد أعلن أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون في سنة 2008 أن الهدف هو التحقق من تمكن جميع الناس في العالم والمعرضين لخطر المرض من الوصول إلى الوسائل والأدوات اللازمة لمكافحة الملاريا بحلول نهاية 2010 على أن يكون الهدف النهائي هو اختفاء حالات الوفاة المرتبطة بالملاريا بحلول سنة 2015 .

لقد تم تحقيق تقدم كبير منذ أن تم تحديد تلك الأهداف، ولقد تم إنقاذ مئات الآلاف من الأرواح حيث يضاعف المجتمع الدولي حالياً جهوده من أجل تحقيق هدف سنة 2015 الذي سيشكل علامة فارقة . لقد تم قبل ثلاث سنوات التعهد بدفع مبلغ 3 بلايين دولار أمريكي إضافي من أجل مكافحة الملاريا حيث ساهمت الشبكات الواقية من البعوض والرش الداخلي في حماية أقل من 20% من السكان الأفارقة المعرضين للخطر والنسبة اليوم تصل لأكثر من 90% .

لقد تحققت تلك المكاسب بفضل التزام القادة والوكالات والأفراد الذين أدركوا أن تخفيف عبء الملاريا لا يشكل فرصة فقط ولكن مسؤولية كذلك .

لا توجد منظمة تمثل البعد الأخلاقي لإنهاء وفيات الملاريا أكثر من تحالف القادة الأفارقة ضد الملاريا . لقد تم تشكيل ذلك التحالف من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2009 بقيادة رئيس تنزانيا جاكايا كيكوتا وبدعم من الاتحاد الإفريقي، حيث تمكنت المجموعة من إضافة الحث الحكومي والمساءلة إلى الجهود المشتركة من أجل وقف انتشار الملاريا في القارة الإفريقية .

إن قادة تحالف القادة الأفارقة ضد الملاريا يدركون أن وفاة طفل من قرص البعوض هو أمر غير مقبول . إن هؤلاء القادة يفهمون أن أكثر الطرق فعالية من أجل التحقق من استدامة المكاسب الأخيرة هو التعامل بروح القيادة والالتزام مع هذا التحدي، وهم يتخذون إجراءات جوهرية من مثل التحقق من أن المواد الضرورية اللازمة لمكافحة الملاريا معفاة من الضرائب والرسوم الجمركية التي تضيف نفقات لا داعي لها إلى مواد مخصصة لإنقاذ حياة البشر بالإضافة إلى شراء تلك المواد بكميات كبيرة من أجل تخفيض النفقات .

أما في نيجيريا التي يوجد فيها ربع وفيات الملاريا في القارة الإفريقية، فإن جمعية العمل النيجيرية لحوار الأديان، كانت فعالة على وجه الخصوص في تدريب القادة الدينيين على توصيل الرسائل الصحية ضد الملاريا، والاستخدام الصحيح للشبكات التي تحمي أسِرة النوم . لقد حصلت تلك المبادرة على دعم السلطان سوكوتو سعد أبوبكر الثالث وهو زعيم المسلمين في نيجيريا والأسقف الكاثوليكي في أبوجا جون أونيكان . يوجد هناك مكتب وفريق بدوام كامل من أجل تنسيق هذا البرنامج . لو نجح هذا البرنامج فإن التأثير سوف يكون دراماتيكياً، وليس فقط في نيجيريا .

فمثلاً سيراليون بعدد سكانها القليل والعلاقات الممتازة بين المسلمين والمسيحيين فيها وصراعها المرير من أجل تحسين نظام الرعاية الصحية فيها بعد الأضرار التي لحقت بها، إبان الحرب الأهلية، تتمتع بعلاقات مع المملكة المتحدة ممتدة منذ زمن طويل . لقد عقدت مؤسسة توني بلير لحوار الأديان مشاورات مع القادة الدينيين ومؤسسة تعنى بحوار الأديان هناك من أجل تطوير برنامج وطني مع وزارة الصحة للترويج للرسائل الرئيسة التي تريد الحكومة بثها في ما يتعلق بالصحة العامة والمشاركة في تثقيف الناس في ما يتعلق باستخدام شبكة السرير بالإضافة إلى استخدام الإمكانات الصحية المتوفرة وشبكات الاتصال المتعلقة بالمجتمعات الدينية .

إن هذا الوقت هو ليس وقت اللامبالاة . لقد تم تحقيق الكثير من التقدم الجوهري والآن يجب أن نعزز المكاسب التي حققناها . بينما من المتوقع أن تتناقص المساعدات الخارجية بسبب تخفيضات الميزانية في جميع أنحاء العالم، يجب علينا أن نتذكر أن الملاريا هي كارثة طبيعية لها تأثير مدمر على المجتمعات كل ثانية وكل يوم . ليس باستطاعتنا أن نوقف الزلازل والتسونامي والأعاصير ولكن باستطاعتنا أن نوقف الملاريا .

* توني بلير هو مؤسس مؤسسة توني بلير لحوار الأديان .* وراي تشامبرز هو المبعوث الخاص للأمم المتحدة للملاريا . والمقال ينشر بترتيب مع بروجيكت سنديكتwww.project-syndicate.org
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"