في وداع عز الدين إبراهيم

06:02 صباحا
قراءة دقيقتين

بالأمس، سكن فؤاد الدكتور عز الدين إبراهيم، ورجعت نفسه المطمئنة إلى ربها راضية مرضية في دار البقاء.

غادرنا بلا وداع، بعد حياة حافلة بالعطاء، ورحلة علاج لم تطل كثيراً، كنت خلالها على تواصل معه، وما زالت كلماته في مسمعي، مليئة بالأمل، وبرحمة الله الواسعة، وبصفاء نفسي نادر.

امتدت صحبتي لهذا العالم الجليل على مدى أكثر من ثلاثة عقود من السنين، حظيت خلالها برفقته في معظم ملتقيات الحوار بين الحضارات، وبخاصة الحوار الإسلامي المسيحي، في الإمارات وفي خارجها، أنهل من علمه الغزير، وتشدني موضوعيته، ويعجبني منهجه العلمي، وأسلوبه السلس الدقيق في المناقشة والكتابة، ونظرته الثاقبة لأوضاع العرب والمسلمين، وما لحقها من صدع وتجويف وتفريط وغلو.

كانت عناية أستاذنا بالغة في مسألة الإصلاح المستنير، وتمثل روح العصر، واحترام الاختلاف، وقبول التعدد، ومعاندة الانكماش والتقوقع، والاستجابة الفاعلة للتحديات بالعلم والعمل.

لقد أسعدني الحظ أن أكون برفقته، في بيروت، قبل عدة سنوات، لنؤسس مع بعض المفكرين، فريقاً عربياً للحوار الإسلامي المسيحي، في مرحلة مبكرة، استشرفنا فيها مخاطر هائلة لتداعيات الفتن الدينية والمذهبية، والتي كانت تباشيرها مطمورة داخل رماد المجتمعات العربية.

كما أسعدني الحظ أن أكون برفقته في المؤتمر العالمي للحوار بين الحضارات في مدريد قبل عام ونصف، ويتداعى إلى خاطري حديثه في هذا المؤتمر عن دائرة الحضارة العربية الإسلامية، وقد شارك في نسيجها مسلمون ومسيحيون ويهود، فصنعوا حضارة منفتحة على الإنسانية، واصالة واعية بالذات، عارفة بالآخر، وواثقة بقدرتها على القيام بدورها في عمران الأرض.

وأستحضر الآن أحاديث أستاذنا في ساعات اللقاء، وأقف أمام موضوعات استحوذت على اهتمامه، كالعمل الإنساني والخيري، الذي كان يقوم به تنفيذاً لرسالة المغفور له الشيخ زايد طيب الله ثراه، في إفريقيا وآسيا، والمبادرات المبكرة في الحوار بين الثقافات التي رعتها الإمارات، وبمشاركة شخصية من الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني، فضلاً عن قضايا أخرى تتصل بالهوية والانتماء واللغة، على صعيدي الفكر والممارسة.

ووجدته في ميادين العلم والفلسفة والتاريخ والتفسير والتعليم ذا باع طويلة يصول فيها ويجول، وبفكر منفتح نير مع حقائق الزمان والمكان، وبإدراك واعٍ لسنن الحياة، وحاجة البشرية للتعاون والعيش المشترك والفهم المشترك في آن.

سيبقى هذا العَلَم في ذاكرة كل من عرفه واحداً ممن خدم الوطن والعلم، ومثل روح عصره، وفهم واقع أمته وحضارتها، وعمل بإخلاص وتفان في خدمة الإمارات، وطناً وقيادة وفكراً وتوجهاً. من غير استكبار ولا منة، بل تواضعاً وعطاء سخياً.

رحم الله أبا عبدالرحمن، وجزاه عنا كل خير، وأسكنه فسيح جناته، وأملنا أن تتبنى إحدى مؤسساتنا العلمية أو الثقافية استكمال حصر ما تركه من كتابات، ونشر أعماله الكاملة، وفاء بحق ذاكرتنا التاريخية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"