قراءة في نتائج الانتخابات الفرنسية

03:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

جاءت الانتخابات التشريعية الفرنسية استكمالاً للانتخابات الرئاسية وانتقال السلطة من اليمين إلى اليسار، وكان من الطبيعي أن يمنح الشعب الفرنسي الرئيس هولاند الذي انتخبه في مايو/أيار الماضي، أغلبية تشريعية تتيح له ممارسة السياسات التي يرتئيها، وتنفيذ الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية . لكن المفاجأة التي حصلت هي الرقم المرتفع الذي حققه الحزب الاشتراكي (300 مقعد من أصل 577 أي بزيادة 11 مقعداً عن المطلوب)، الذي لن يحتاج إلى التحالف مع أحد، في مقابل التراجع غير المتوقع لأحزاب حليفة ومنافسة له . وفي المحصلة يمكن القول إن اليسار (الحزب الاشتراكي مع حلفائه اليساريين وأنصار البيئة)، قد حصد 346 مقعداً في مقابل 226 لليمين البرلماني الذي يخرج من الحكم .

رغم هذه الأرقام التي تعدّ تاريخية لأن الحزب الاشتراكي لم يسبق له الحصول عليها حتى في عهد الرئيس ميتران، فإنه لم يستحوذ على نسبة ثلاثة أخماس الكونغرس (أي الجمعية الوطنية، مع مجلس الشيوخ حيث يسيطر اليسار على 177 مقعداً) التي تمكّنه من إجراء إصلاحات دستورية كتلك التي تسمح بتصويت الأجانب في الانتخابات المحلية والتي وعد بها فرانسوا هولاند خلال حملته الانتخابية .

المفاجأة التي حصلت في هذه الانتخابات هي سقوط رؤوس كبيرة من كل الأطراف مثل وزير الداخلية المقرب من ساركوزي كلود غيان والوزراء السابقين نادين مورانو وفاليري روسو ديبور وغيوم بلتييه دون أن ننسى وزيرة الخارجية التي أجبرت على الاستقالة خلال الثورة التونسية ميشيل إليو ماري أو الأمين العام المساعد للحزب الحاكم الخارج لتوه من السلطة هرفيه نوفيللي، هذا في صفوف اليمين . أما في صفوف الحزب الاشتراكي فإن المفاجأة الكبرى تمثلت في هزيمة جاك لانغ وزير الثقافة الأسبق ورفيق فرانسوا ميتران التاريخي، وفي هزيمة سيغولين رويال المرشحة السابقة لرئاسة الجمهورية في وجه ساركوزي، العام ،2007 والفضيحة التي رافقت هذه الهزيمة والمتمثلة بوقوف صديقة الرئيس هولاند الحالية إلى جانب منافس رويال أوليفييه فالورني عبر رسائل نشرتها على موقعها في تويتر تدعو إلى التصويت له . والمعروف أن رويال كانت لسنوات طويلة صديقة لهولاند وأنجبت منه أربعة أولاد، الأمر الذي يضفي إحراجاً على ساكني قصر الإليزيه الجدد ويذكّر الفرنسيين ببدايات عهد ساركوزي . سقوط رويال كان مدوياً لسبب آخر وهو أنها كانت المرشحة المحظية لرئاسة الجمعية الوطنية الفرنسية بعد الانتخابات .

في صفوف اليمين المتطرف كانت المفاجأة في هزيمة مارين لوبان وفي الوقت نفسه في نجاح الجبهة الوطنية التي تتزعمها في الاستحواذ على مقعدين نيابيين، لأول مرة منذ انتخابات العام 1986 . لكن الجبهة المتطرفة تبقى بعيدة عن تشكيل كتلة برلمانية لطالما حلمت بها لوبان .

أنصار البيئة حصلوا على الكتلة البرلمانية التي كانوا يأملون بل أكثر بثلاثة مقاعد، إذ إنهم فازوا بثمانية عشر مقعداً بالضبط كما توقعت لهم استطلاعات الرأي بعد تحالفهم مع الحزب الاشتراكي الذي وعدوا بأن يدعموا سياساته بالكامل . لكن الحزب الاشتراكي لم يعد بحاجة إلى هذا التأييد، الأمر الذي يضعف من موقع الخضر في الأغلبية البرلمانية الجديدة .

وينبغي تسجيل هزيمة جان لوك ميلانشون زعيم جبهة اليسار الذي شكل ظاهرة لافتة في الانتخابات الرئاسية التي حصل فيها على أكثر من 11 في المئة من الأصوات وكان متوقعاً له أن يستحوذ على خمسة عشر مقعداً على الأقل، أي ما يجعله على رأس كتلة برلمانية، كما كان عليه في السابق . لكنه حصل على عشرة مقاعد فقط بعد أن كان له تسعة عشر مقعداً منذ انتخابات العام 2007 .

اللافت أيضاً هو الهزيمة النكراء التي حلت بالوسط الفرنسي المتمثل بحزب مودم الذي يتزعمه فرانسوا بايرو الذي خبا نجمه في الانتخابات الرئاسية التي لم يصل فيها إلى أكثر من الثمانية في المئة بعد أن كان متوقعاً له أن يكون بيضة القبان بين اليمين واليسار . بل إن محللين كانوا قبل عام من الانتخابات قد توقعوا له أن يكون رئيس فرنسا المقبل أي أن يختاره الفرنسيون كبديل عن ساركوزي الذي لم يعد يطاق وعن الحزب الاشتراكي الذي تعصف بصفوفه الخلافات والدسائس . لقد سقط بايرو في الانتخابات ولم يفز حزبه إلا بمقعدين يتيمين أي العدد نفسه الذي حصلت عليه الجبهة الوطنية المتطرفة التي ينبذها الجميع .

وهكذا فلا مكان للوسط ولا لليمين واليسار المتطرفين في البرلمان الفرنسي الجديد . الحيز الأكبر يحتله الحزب الاشتراكي الذي تترتب عليه من الآن وصاعداً مسؤوليات لا يحسد عليها، وسيكون عليه التصدي لكمّ من المشكلات ليس من المؤكد أن مجرد استحواذه على هذا القدر من المقاعد التشريعية سيكفي لإيجاد حلول لها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"