لا خوف على أجيال المستقبل

04:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. علي محمد فخرو

للذين يظنون بأن روح الرفض والتحدي والالتزام بثوابت أمتهم ووطنهم لدى شباب وشابات هذه الأمة قد ضعفت، أو أن قدرتهم على قول ألف «لا» في وجه تراجعات تلك الثوابت في الحياة العربية الراهنة قد تراجعت، أقول لهم إنهم مخطئون وواهمون.
فخلال خطاب لي بمناسبة تخرج مجموعة من شابات وشباب هذه الأمة من جامعة عريقة مبهرة في مستواها العلمي والأكاديمي، وبحضور مكثف من أقاربهم ومعارفهم تبين لي ذلك الخطأ وذلك الوهم. كان خطابي تنبيهاً لهم بأخطاء وخطايا العصر، الذي تعيشه أمتهم العربية، ويعيشه العالم العولمي التائه من حولهم.
لاحظت في نظرات عيونهم المركزة، وفي رؤوسهم المرفوعة المتشامخة، وفي ابتساماتهم العريضة الراضية دفء القبول والاستحسان لنبرات صوتي الغاضبة عندما يعلو ويشجب ويتحدى. ولكلماتي عندما يشتد النقد وتفضح النوايا الخبيثة ويرفض ما يفعله البعض بهم وبوطنهم وبعالمهم.
وعندما كنت أعبر عن ألم أو خيبة أمل شعرت بأن ذرة من كيانهم تتألم وتصرخ لتنقلب إلى نيران متقدة تريد النزال والمواجهة والانتصار.
وعندما، أخيراً، سمعت تصفيقهم لما قبل، ولما تم التعبير عنه بحركات الجسد المتعب، شعرت بالسلام والطمأنينة والثقة تملأ روحي وعقلي، وتأكدت بأنني حقاً أمام أجيال المستقبل العربي المشرق، فانحنيت لله شاكراً، ولهذا الجيل ممتناً ومتعاطفاً.
علمت آنذاك بأن أكاذيب إعلام العلاقات العامة لن تمر، وأن كلمات النفاق لن تخدع هذا الجيل، وأن عقد الصفقات مع هذا العدو أو ذاك المتآمر لن تقبل، وأن الإصلاحات المظهرية لن تكون كافية، وأن استعمال الدين في انتهازيات السياسة لن يخدع إلا مستعمليه، وأتباعهم في الخيانات والنفاق والزبونية.
هذا جيل لن يقبل قط بتمرير صفقات الاستسلام؛ فهو يعرف الفرق بين الحق والباطل بين الوقوف مع إخوة له مظلومين، وبين طعنهم وطعن قضيتهم بخناجر الجبن وقلة المروءة.
هذا جيل يعرف الخسة في تقديم المصالح المشتركة المؤقتة مع الخارج الاستعماري على روابط العروبة القومية وأخوة الإسلام والمصير الواحد في التاريخ والحاضر والمستقبل.
هذا جيل لن ينجرّ إلى تقديم أي صراع وأي خلاف، مهما كان موجباً وغير مقبول، مع أية دولة غير عربية، على صراع أمته الوجودي مع الفكر «الإسرائيلي» ومشاريعه الاستعمارية والاستئصالية، وبالتالي سيرفض مصافحة اليد الملطخة بدماء إخوته حتى ولو ألبست بألف قفاز من الكذب، والمراوغة والابتسامات الشيطانية.
هذا جيل لن ينجرّ إلى ساحات الجهاد الجنوني الإرهابي، المرتكب لجرائم الاغتصاب وقتل الأبرياء وحرق الأرض، واللابس كذباً وبهتاناً وتدليساً لعباءة دين الحق والقسط والرحمة، دين الإسلام.
هذا جيل لن يتنازل عن هدف وحدة أمته لتعيش منيعة أمام الطامعين في ثرواتها، عن هدف تحررها من كل هيمنة استعمارية أجنبية، عن هدف انتقالها إلى ديمقراطية سياسية واقتصادية أساسها كرامة الإنسان والعدالة الاجتماعية والمواطنة الحقة المتساوية، وعن هدف النهوض من التخلف التاريخي والالتحاق بركب الحضارة الإنسانية للعب دور إنساني رفيع في ساحاتها وأنشطتها.
ولذا على الذين يراهنون بأنهم سيخدعون هذا الجيل أو سيتلاعبون بعواطفه، أو سيسكتوه بقطع خبز جافة يرمونها تحت أرجله، أو سيسلطوا عليه كتبتهم وإعلامييهم، عليهم جميعاً أن يدركوا، قبل فوات الأوان، بأنهم إنما يراهنون على أوهامهم وخداعهم للنفس وليس على هذا الجيل النبيل العف الغاضب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"