لماذا لا تنسحب القوات الأجنبية من سوريا؟

04:26 صباحا
قراءة 4 دقائق
في وقت تتضاءل فيه احتمالات عقد جولة ثالثة من مفاوضات جنيف بين أطراف الأزمة السورية، وتغيبت فيه إرادة دولية جامعة بعقد "جنيف 3"، ومع استمرار مسلسل الاستنزاف والتدمير والانعكاسات السالبة للأزمة على دول جوار سوريا وبالأخص لبنان، فإن الاقتراح الذي سبق أن وجهه وكررّه مجلس التعاون الخليجي وكذلك إيران بسحب القوات الأجنبية (والمقصود غير السورية) من هذا البلد، بات يرتدي أهمية مضاعفة .
منذ اندلاع الأزمة قبل نحو ثلاثة أعوام كانت عبارة "رفض التدخل العسكري" تتردد على ألسنة كثيرين داخل سوريا وخارجها، درءاً لتوسيع نطاق العنف، ولتجنب اكتساب الأزمة طابعاً إقليمياً ودولياً بالغ التوتر . غير أن التدخل حدث بصور مختلفة، منها زج الجيش في المواجهة مع محتجين، ومنها تسرب منظمات تكفيرية متطرفة من خارج الحدود، وصولاً إلى مشاركة حزب الله وجماعات عراقية في المواجهات . بقاء هذا الوضع على حاله من شأنه الإمعان في استنزاف سوريا على جميع الصعد، في حروب موضعية بعضها متنقل وبعضها ثابت، ونتيجتها واحدة وهي إلحاق أكبر قدر من الدمار، بمصادر الحياة ومظاهرها كما بالبنى التحتية والفوقية لهذا البلد فضلاً عن الخسائر البشرية التي لا تقدر بثمن .
المطالبة بسحب القوات الأجنبية تجد لها صدى في الشارع السوري، وتشكل مطلباً شبه دائم ل"هيئة التنسيق الوطنية" وهذه أبرز تيارات المعارضة في الداخل . ومن الطبيعي أن تجد هذه الدعوة أصداء إيجابية في الداخل السوري، ففي حال الأخذ بهذا المطلب فإن المواجهات قد لا تتوقف فوراً، إلا أن الأزمة تصبح حينها أقل تعقيداً . علماً بأن طرح هذا المطلب يشكل اختباراً لأطراف الأزمة، ولمفهوم السيادة الوطنية عندها، ولمدى الالتزام باتخاذ خطوات نحو حصر الأزمة في الداخل الوطني وصولاً إلى حلها . هذا مع الأخذ في الاعتبار حجم الصعوبات العملية أمام تحقيق هذا المطلب . فهناك من سيرفض ابتداء هذا المطلب من الأطراف المتقاتلة . غير أن مجرد الأخذ به من الأطراف الأساسية (النظام والمعارضة ممثلة خصوصاً بالائتلاف) من شأنه إشاعة أجواء سياسية جديدة تسمح بحدوث انفراجات، والأهم من ذلك أن الأخذ بهذا المطلب الحيوي والبدهي، من شأنه رفع الغطاء السياسي عن الجماعات غير السورية التي تتقاتل على الأرض السورية .
والآن فإن على من يرفضون مبدأ التدخل الأجنبي العسكري خصوصاً، أن يترجموا تمسكهم بهذا المبدأ إلى رفض تدخلات الجماعات والأفراد . لقد سبق لوزير الخارجية السورية وليد المعلم أن تحدث مستنكراً غير مرة، عن وجود جماعات مسلحة على الأرض السورية تنتمي إلى 80 دولة . إن هذا الرفض الرسمي لوجود جماعات غير وطنية، يُملي موضوعياً الدعوة إلى سوريا خالية من وجود أية قوات أجنبية، مع ما يترتب على ذلك من تدابير والتزامات . كما يُملي على المعارضة تبني هذا المطلب وإبداء الاستعداد لتنفيذه . ويقتضي الأمر أيضاً بطبيعة الحال أن تلتزم سائر الدول بمنع مواطنين لها من الالتحاق بجماعات مقاتلة على الأرض السورية . وبالنسبة للنقطة الأخيرة فقد اتخذت دول عدة قرارات علنية بهذا الصدد، وجرّمت الانتساب إلى تلك الجماعات والانتقال إلى سوريا .
وتكراراً فإن سحب القوات الأجنبية ورفع أي غطاء عنها، تصادفه عقبات جمة . غير أن الأمر هنا يتعلق بتوفير بيئة سياسية مواتية تسمح بالتقدم نحو حل سياسي . دول مثل روسيا والصين وقد وقفت كل منهما مراراً ضد أي تدخل أجنبي في هذا البلد، مدعوتان للأخذ بهذا المطلب، على الأقل كي تصبح كلٌ من بكين وموسكو في موقف ينسجم مع الذات، ومع المواقف المبدئية المعلنة لكل منهما برفض التدخلات الخارجية . أما إيران التي سبق لها أن رفعت مطلب سحب القوات الأجنبية وبالذات على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف، فإنها مدعوة بدورها أن تنتهج نهج دول المنطقة بتجريم التحاق مواطنيها بساحات القتال في سوريا، وذلك من أجل تفعيل هذا المطلب حقاً، ومغادرة التصريحات اللفظية إلى مواقف عملية ملموسة يستشعرها السوريون في بلادهم .
لدى التحضير ل"جنيف 1" و"جنيف 2" انطلقت دعوات من هنا وهناك تطالب بوقف إطلاق النار في سوريا، لمنح الحل السياسي فرصة ولتجنيب المدنيين المزيد من الأذى . الذي حدث أن المعارك قد اشتد أوارها إبان انعقاد اللقاءين! واقتصرت الدعوات لإطلاق النار على حمص ولساعات معدودات، وكانت النتيجة أن المواجهات على الأرض وجدت ترجمة لها بمواجهات قصوى على مائدة التفاوض، وفشل اللقاء الأول ثم الثاني، كما فشلت حتى الآن الجهود التي بذلها المبعوث الإبراهيمي لتحديد موعد "جنيف 3" .
الآن ومن أجل تهيئة فرصة أخرى للحل السياسي، فإن مطلب سحب القوات الأجنبية يغدو أمراً بدهياً، إذ لا يعقل غض النظر عن هذه التدخلات الخارجية فيما يجري تمكين الأطراف الأساسية من السعي لحل تفاوضي . ذلك يقضي حُكماً وقف التدخلات العسكرية لأي لاعبين خارجيين . أما الأطراف المتفاوضة فهي مطالبة بالبرهنة على وطنيتها وعلى تمسكها بالسيادة، بالأخذ بمطلب انسحاب القوات الأجنبية، وهو مطلب يصعب رفضه كما يصعب أكثر تسويغ هذا الرفض في حال حدوثه .

محمود الريماوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"