ليبيا وتحديات الأمن الإقليمي

02:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

أعاد التفجير الأخير الذي تعرض له مبنى السفارة الفرنسية في طرابلس إلى الأذهان مجموع الأحداث الإجرامية والتخريبية التي كانت ليبيا مسرحاً لها خلال الشهور التي أعقبت مرحلة تحرير التراب الليبي التي كان من أبرزها مقتل السفير الأمريكي بمقر القنصلية في بنغازي، نتيجة الضعف والهشاشة التي مازالت تميز الوضع الأمني الذي يحتاج إلى تفعيل وإعادة تأهيل مختلف الأجهزة المرتبطة بوزارتي الداخلية والدفاع، من أجل التكفل بشكل ملائم بالتحديات الكبرى التي تواجه الدولة الليبية الفتية، ولاسيما أنها شرعت مؤخراً في العمل على بناء مؤسساتها السيادية من خلال الاعتماد على قواعد سياسية جديدة .

ويمكن القول إن الهجوم الفرنسي على معاقل المتشددين في شمالي مالي، أضاف إلى أعباء الدولة الليبية عبئاً إضافياً، حيث إنه وبعد فترة قصيرة على بداية عمليات القوات العسكرية الفرنسية في منطقة الأزواد، قامت مجموعة مسلحة بتنفيذ اعتداء مسلح على محطة إنتاج الغاز الطبيعي في الجزائر، بالقرب من الحدود الليبية، الأمر الذي دفع الخبراء في المجال الأمني إلى الاستنتاج أن ليبيا ليست في مأمن من تداعيات الوضع المتفجر في منطقة الساحل؛ خاصة أنها لا تملك حتى الآن القدرات الكافية من أجل حراسة وتأمين حدودها المترامية الأطراف .

وعليه فإنه إذا انطلقنا من معطيات الجغرافيا السياسية المتعلقة بالمنطقة، يمكننا أن نستخلص بناءً على المعطيات الحالية، أن متاعب ليبيا لن تقف عند هذا الحد، فمشاركة القوات التشادية في عمليات القتال في مالي سيؤثر سلباً في الدولة الليبية الجار الأكبر للتشاد . ويمكننا أن نتوقع، اعتماداً على استقراء التطورات الحالية للأوضاع، أن تتأثر ليبيا سلباً، نتيجة الآثار الجانبية المترتبة عما يمكن أن يحدث مستقبلاً في هذه الدولة الإفريقية التي لم تستطع حتى الآن أن تتغلب على كل التوترات السياسية والعسكرية الناجمة عن الصراع على السلطة . ومن غير المستبعد في السياق نفسه أن تلجأ الجماعات المسلحة في منطقة الساحل إلى دعم المعارضة التشادية بالمقاتلين والمال والسلاح من أجل إطاحة نظام إدريس ديبي في نجامينا .

ويرى أغلب المحللين أن استقرار الوضع في ليبيا يعتمد بشكل أساسي على استقرار مجمل الأوضاع في المنطقة، وبالتالي فإن تطوير كفاءات القوات الأمنية الليبية لن يكون كافياً وحده، من أجل استعادة الأمن والطمأنينة في كل ربوع ليبيا، بل إن الأمر يحتاج إلى القيام بإعادة ترتيب الأوراق ودراسة كل الملفات على مستوى المناطق الحدودية، بالتنسيق مع دول الجوار وفي مقدمها مصر وتونس والجزائر . ونزعم في هذا السياق أن قيام رئيس الوزراء الليبي بزيارة الجزائر، بعد ساعات قليلة من وقوع التفجير الذي هز مقر السفارة الفرنسية، يؤكد حرص الدولة الليبية على التنسيق مع دول المنطقة من أجل كسب رهان الاستقرار في محيط إقليمي ودولي يتميز بانتشار الإرهاب والجريمة المنظمة والعابرة للأوطان .

وهناك في المقابل مقاربة أخرى تذهب إلى التأكيد أن دول المنطقة مدعوّة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخها إلى إعادة تفعيل المؤسسات السياسية التي تجمع دول الجوار الإقليمي، وفي مقدمها هياكل اتحاد المغرب العربي؛ فهذا التكتل السياسي الذي يضم مجمل دول المنطقة لم يجتمع منذ سنوات طويلة على مستوى قادته، باستثناء الاجتماعات الوزارية العابرة التي تنعقد بين الفينة والأخرى، خاصة على مستوى الخبراء ووزراء الداخلية، وحتى على مستوى ما أصبح يعرف بمجموعة 5+5 التي يلتقي خلالها وزراء دول جنوب البحر الأبيض المتوسط مسؤولي دول الضفة الشمالية .

لا شك أن نجاح الليبيين في انتخاب ممثليهم الشرعيين وبناء مؤسساتهم السياسية على قاعدة التمثيل الشعبي، يمثل خطوة جبارة في اتجاه بناء المستقبل وصولاً إلى التكفل الكامل بكل احتياجات الشعب الليبي، لكن المحافظة على هذه المكاسب السياسية يتطلب، وضع استراتيجية وطنية وإقليمية بعيدة المدى من أجل مواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة، لأن تغيير الحكومات والأنظمة لن يؤدي إلى تغيير الشعوب والدول، وليس في استطاعة أي كان أن يستبدل جواره بجوار آخر . ولا بد من الإقرار، بناءً على كل ما تقدم، أن الأمن الوطني للدول، لا يتحقق فقط ضمن حدودها الوطنية أو القطرية، ولكنه يحتاج إلى رؤية استشرافية تأخذ في الحسبان معطيات الجغرافيا السياسية المحيطة بكل دولة، من أجل الوصول إلى صياغة معادلة سياسية منسجمة تقوم على المزاوجة بين مبدأي الوصل والفصل، وصل الوطني بالإقليمي، وفصل الإقليمي عن كل ما هو وطني .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"