ماذا تبقى من الثورة العربية؟

03:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعزيز المقالح

كان مفهوم الثورة العربية إلى ما قبل ثورة 23 يوليو 1952م، فضفاضاً وإنشائياً، ولم تتحدد معالمه وتتجسد محتوياته إلاّ بعد هذه الثورة التي تبنت قضايا الشعب العربي من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، وكانت فعلاً ثورياً مجسداً بالأفعال لا بالأقوال. ومن هنا عندما نسأل «ماذا تبقى من الثورة العربية؟» فإننا في الحقيقة نسأل عما تبقى من ثورة 23 يوليو مما بشَّرت به من تحول عظيم لا في مصر وحدها، وإنما في كل الأقطار العربية دون استثناء، فقد نالها جميعاً من خيرات تلك الثورة الكثير، إما مباشرة أو غير مباشرة، فقد نجحت أولاً في إقلاق مضجع الاستعمار الأجنبي الذي كانت سيطرته في أوائل الخمسينات تمتد على مساحة الوطن العربي تقريباً، ونجحت ثانياً في تحجيم الكيان الصهيوني وتدمير أوهامه في التوسع، بل وفي إشعار قادته أنه موجة عابرة ولن يستقر له قرار في منطقة تتطلع للحرية والخلاص من كل المعوقات التي تحول بين أبنائها، والدخول إلى العصر الحديث بقوة الوحدة والشعور بالكرامة.
وإذا كانت مصر العربية منطلق ثورة 23 يوليو قد احتفلت منذ أسابيع قليلة بذلك الحدث التاريخي العظيم، وأظهر أبناؤها اعتزازهم بقائد الثورة وإنجازاته المحلية والعربية، فإن عدداً صغيراً من المثقفين الذين فتحت ثورة يوليو أمامهم الأبواب للتعليم العام والجامعي بعد أن كان حكراً لأبناء «البشوات» ومن يسير في ركابهم من الأثرياء وسماسرة السياسة لم يرق لهم احتفاء مصر بهذه المناسبة الوطنية، وظهر في صفوف هؤلاء المعترضين من يقول إن ثورة 23 يوليو لا يصح أن تكون اليوم الوطني لمصر، وإنما لا مانع لديه من أن يكون يوماً وطنياً شأن بقية الأيام الوطنية السابقة على قيام تلك الثورة وما استُحْدِث بعدها مثل 25 يناير 2011 و3 يونيو 2015م، وقد أشار أحد المعلقين على اقتراح هذا «المفكر» أنه يعرف جيداً أنه لولا ثورة 23 يوليو لما تمكن من دخول مدرسة، ولا تعلم فك الخط.
لقد أسهم نظام ثورة 23 يوليو في طرد الاستعمار من كل الأقطار العربية التي كانت مكبلة بقيوده المرئية وغير المرئية. كما نجح في الإثبات للعالم بأن الوطن العربي قوة إقليمية فاعلة لا يمكن تجاهلها أو الاستهانة بدورها، واستطاع ذلك النظام بذكائه وحسن إدارته السياسية وإخلاصه لأمته أن يعزل الكيان الصهيوني، وينهي علاقاته بكل دول العالم الثالث، ووصلت الحال بهذه الدول أن تتعامل معه كما كانت تتعامل مع حكومة البيض العنصرية في جنوب إفريقيا، وهو انتصار لابد أن يتذكره العرب ويحاولوا استرجاعه تقديراً لمصر وتوجهاتها وكل ما بنته ثورة يوليو ورسخته في الأذهان عن ذلك العدو المتربص الذي لا يخفي أطماعه ورغبته في الانقضاض على أي قطر عربي يفقد توازنه أو ينكشف ضعفه.
لقد كان أمام الجيل الجديد في مصر وفي بقية الأقطار العربية أن يواصلوا السير على طريق الثورة العربية، وأن يحافظوا على مكاسبها المادية والمعنوية، وأن يكون ما حققته تلك الثورة مصدر اعتزاز وإجماع قومي، لكن الرياح، والرياح العربية خاصة تجري بما لا تشتهيه الشعوب أو يتمناه أبناؤها، وليس غريباً، وقد خرجت الأغلبية عن السياق المستقيم، أن تصل الحال - الآن - بالأمة كلها إلى ما نرى ونسمع ونعاني. وهناك عبارة تتردد في الكتابات وعلى الأفواه وأحياناً تكون في غير محلها، مفادها «لا يصلح آخر هذه الأمة إلاَّ بما صلح عليه أولها»، وتكون في محلها إذا وضع العقلاء في الاعتبار الأسس الصحيحة التي انطلقت منها ثورة 23 يوليو، التي تبقى منها الكثير في الفكر أو الرؤى والدروس المستخلصة من التجربة سواء في سنوات الانتصار أو الانكسار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"