مانديلا في عيد ميلاده التسعين

البُعد الثالث
05:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

يحتفل المناضل نيلسون مانديلا بعيد ميلاده التسعين في السابع من يونيو/ حزيران 2008 بميدان (الهايدبارك) في قلب لندن، ويجرى تنظيم حفل يحضره رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون يخصص ريعه لمصلحة حملة مانديلا للتوعية بمرض نقص المناعة المكتسبة (الايدز) في إفريقيا، واهتمام الرجل بمرض العصر ليس جديداً، فقد ركز خلال رئاسته لبلاده (جنوب إفريقيا) في آخر التسعينات على توفير العلاج المتاح لمرض الايدز بسعر زهيد، وقاد مناطحة في أروقة منظمة التجارة العالمية لتمكين بلاده من إنتاج الدواء محلياً، من دون التقيد بمفردات الملكية الفكرية بشأن حق الترخيص للدواء في جنوب إفريقيا التي يهدد شعبها المرض اللعين نظراً لانتشاره وسط الشرائح الفقيرة من السكان السود، والأسعار التي تفرضها البلدان المنتجة لعقار مرض الايدز باهظة ليس في مقدور حكومة بريتوريا دفعها وبالتالي ليس بإمكان المواطنين المصابين بالمرض شراؤه، ولما قرر نيلسون مانديلا اعتزال الحياة السياسية والعيش في الظل، لم يفرط في حملته ضد مرض الايدز وجعلها الشغل الشاغل لمؤسسة مانديلا الخيرية، ومقرها في جوهانسبرج.

أول مرة التقيت فيها مانديلا كانت عقب خروجه من السجن في 1992 عندما زار مقر منظمة الوحدة الإفريقية بأديس أبابا (إثيوبيا) بصحبة قرينته حينئذ، ويني مانديلا، وكانت تلك أول رحلة له خارج جنوب إفريقيا أراد بها أن يعبر عن تقديره للقارة الإفريقية ومناصرتها له ولبلاده.

وأتذكر أنه في حديثه عن كيفية النهوض بالقارة السمراء قال إن التنمية هي الغاية، والتنمية تستهدف الإنسان وتقوم على الإنسان، فلا مناص إذن من أن يكون ذلك الإنسان معافى وسليماً، واعتبر مرض (الايدز) في تلك المرحلة المبكرة أول عائق للتنمية في إفريقيا.

وثاني لقاء لي بمانديلا كان قبيل الانتخابات المصيرية، بعد انهيار نظام التمييز العنصري، وكان اللقاء في مسقط رأسه، (قرية في شمال البلاد)، وطلب منه وفدنا الذي قاده الأمين العام لمنظمة الوحدة الإفريقية أن يقنع زعيم (الزولو) بوتليزى بأن يقبل بالتسجيل للانتخابات، لأن الأخير كان مقاطعاً للتسجيل ولما تم الضغط عليه أعلن قبوله المبدئي للتسجيل، وفعلاً توجه مانديلا لبوتليزي في عقر داره وقال له ليس هناك تسجيل مبدئي، فإما تسجيل أو لا تسجيل.

استطاع إقناع بوتليزي في نهاية المطاف. وهناك أيضاً أشار إلى أن شعب جنوب إفريقيا بعد أن نجح في إزالة النظام العنصري، أمامه حرب ضروس ضد المرض، لابد أن يربحها، وكان مرض الايدز في ذهنه.

وأكثر ما تنبهت له في شخصية مانديلا هو اهتمامه بالبشر والجانب الانساني، فقد روت لي سكرتيرة آخر رئيس من البيض لجنوب إفريقيا، قبل التغيير، دي كلارك، وهي نفسها من الأفريكانا البيض، أن أول مرة رأت فيها مانديلا سألها عن اسمها وبعد أسابيع جاء إلى مكتب رئيسها وحياها بالاسم واضعاً يده على كتفها، واندهشت المرأة من ذاكرة مانديلا ومن سلوكه الإنساني لأنها قالت إن دى كلارك، التي عملت معه سنين عدة قد لا يتذكر اسمها، ولا تذكر مطلقاً أنه حياها بطريقة حميمية، ثم جزمت لي بأنها ستصوت لمانديلا في الانتخابات.

ثالث لقاء لي مع مانديلا كان بعد أن أصبح رئيساً لبلاده بعد الفوز الكاسح لحزبه (المؤتمر الوطني)، في انتخابات ،1994 وأول ما دخلنا عليه نهض وبدأ يردد "هذه هي الوجوه المألوفة". أما آخر لقاء فقد كان بعد أن اعتزل الحياة العامة وأصبحت زوجته، غريسا ميشيل، تنظم حياته بما يتناسب وعمره، والرجل تغيب عنه أشياء ويذكر أشياء، ويضع ذلك العمر الطويل والحافل جانباً فيما يوسد رأسه كتف رفيقة دربه غريسا ميشيل، لكن قضيته مرض الايدز ظلت هاجسه حتى إشعار آخر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"