مراجعة اقتصاد مجلس التعاون

02:37 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا يحق لنا في دول مجلس التعاون الخليجي ان نتفرج بكسل ورد فعل متثائب على العواصف المالية والاقتصادية التي تعصف بأمريكا وتهدد باجتياح العالم كله الآن وعواصم الدنيا تطرح الأسئلة الكبرى حول الأسس التي يقوم عليها النظام الاقتصادي الرأسمالي العولمي المتوحش الذي انبثق من أوساط الليبرالية الجديدة، رأسمالية حرية السوق الأنجلوسكسونية، والداعي إلى رفع الضوابط والقيود من على السوق، والذي تدعمه ماكنة الإعلام والقوة العسكرية الأمريكية الهائلة، الآن والأسئلة تطرح يحق للمواطن في دول مجلس التعاون أن يطرح على قياداته السياسية والاقتصادية الأسئلة التي تهم مستقبل بلاده.

فالمطلوب أن نكسر هذا السكون وهذا الصمت الذي يخيم على أوساطنا السياسية والاقتصادية والذي يوحي بأننا مازلنا نعتقد بأن خبز الغد سيكون من عجينة الأمس، فإذا كان الصمت البليد يكسر في أعتى القلاع المركزية للرأسمالية العولمية فأحرى به أن يكسر أيضاً في أضعف أكواخ الهوامش من مثل بلداننا.

الشهور المقبلة يجب أن تكون شهور مناقشات واسعة ومعمقة حول أسئلة ونقاط من مثل:

1- سعة المدى لتدخل سلطات دولنا في ضبط الحياة الاقتصادية في بلداننا لمنع انزلاقها في أودية المخاطر الكبرى على يد المغامرين والطماعين الأنانيين وأصحاب النفوذ السياسي، وهذا سيستدعي مراجعة القوانين والأنظمة الوطنية من جهة والمشتركة بين دول المجلس من جهة أخرى للتأكد من عدم تضاربها فيما بين الدول نفسها من أجل إبعادها عن حمى الصرعات والمنافسات التفاخرية فيما بين القيادات المختلفة، إن هذه المراجعة يجب أن تذهب إلى الأعماق وأن تعني طلاقاً مع رأسمالية السوق الحر الفوضوي ورجوعاً إلى رأسمالية السوق الاجتماعية، رأسمالية دولة الرعاية الاجتماعية مثل التي عرفتها دول أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية.

2- مراجعة أنظمة حماية المواطنين الأفراد من شططهم الطفولي ومن شطط المؤسسات التي تتلاعب بحاجاتهم وغرائزهم وأحلامهم، إن أنظمة الاعتماد والقروض والمديونيات للأفراد من قبل البنوك والمؤسسات المالية المماثلة، وذلك من أجل شراء السيارات والبيوت الفاخرة أو الانخراط في مضاربات الأسهم أو دخول المغامرات العقارية المجنونة أو القيام برحلات سياحية غير ضرورية إلخ، إن تلك الأنظمة تحتاج إلى أن تقوم على ضوابط ومحددات اقتصادية صارمة، خصوصاً بعد أن وصلت نسبة المديونين من مواطني دول المجلس إلى مستويات عالية جداً ستحمل معها في المستقبل أخطار عدم القدرة على تسديد تلك الديون وبالتالي تعريض النظام المالي في تلك الدول إلى هزات عنيفة.

3- مراجعة التشريع وأدوات التطبيق لحماية أسواقنا من المال الفاسد، هناك قول متداول في الغرب للكاتب الاقتصادي، و. ستنالي جفونز بأن المال الفاسد يطرد المال الحسن، بينما لا يستطيع المال الحسن طرد المال الفاسد السيئ.

من أهم انواع الأموال الفاسدة أموال الغسيل غير الشرعية التي يعتقد أصحابها بأن أسواق الخليج هي مرافئ آمنة لاستثمارها مؤقتاً، لكننا نحتاج أن نتذكر بأن الانهيارات المالية التي اجتاحت دول النمور في الجنوب الآسيوي منذ حوالي عقدين من الزمن كان أحد أسبابها المضاربات الجنونية التي قام بها أصحاب غسيل وتبييض الأموال الدولية آنذاك.

وبالطبع ينطبق الأمر على مخاطر الأموال الفاسدة المغامرة المحلية التي تفرّخها وتشجعها العلاقات الرعوية في الدول التي تفتقر للمحاسبة والشفافية الديمقراطية.

4- إعادة النظر في توجيه الفوائض المالية البترولية الهائلة، فهل سنستمر في توجيه قسم كبير منها نحو بناء اقتصاد هش يعتمد أساساً على المضاربات في أسواق الأسهم والعقار وعلى تشجيع وترسيخ نمط معيشي استهلاكي يتصف بالنهم والعبثية أم أننا سنبدأ بمراجعة كل تلك التوجهات والبدء بالعملية الصعبة للاتجاه نحو بناء اقتصادي انتاجي ومعرفي، بما سيعنيه ذلك من إعادة النظر في توجيه الاستثمارات الداخلية والخارجية وإصلاح مؤسسات التعليم والتدريب لإعداد قوى عاملة مطلوبة لمثل هكذا اقتصاد، وكذلك خلق جو إعلامي وثقافي يعيد الفرد العربي الخليجي إلى توازنه ويرسخ في حياته اليومية عادات العمل الشريف الإبداعي ويضعف في منظومته الأخلاقية قيم وعادات الاستزلام والوقوف في طوابير الفداوية الخاملة غير المنتجة.

وإذ نحن نحاول الإجابة عن مثل هذه الأسئلة والملاحظات يجب أن نتذكر بأن بعض دوائر الغرب تطرح الآن موضوع العودة بأسعار البترول إلى مستوياتها الدنيا السابقة. وعلى الذين مازالوا في مرحلة التثاؤب الفكري أن يقرؤوا الكتابات الأخيرة للصهيوني هنري كيسنجر ومريديه من مدرسة شيكاغو والتي تنادي بقص أجنحة دول البترول العربية لتبقى كالدجاج الذي يقضي جل أوقاته، ورأسه منكس وهو يفتش عن ديدان الأرض وقاذوراتها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"