مرارة الهوى الطائفي

04:30 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسن العديني

يؤدي المرشد الإيراني السيد علي خامنئي وظيفة سياسية هدفها النهائي إحياء الامبراطورية الفارسية القديمة.
كان سيدنا المسيح عليه السلام قد قطع في أمر الفصل بين الدين والسياسة حين قال للفريسيين «جماعة يهودية» الذين جاؤوا يتخابثون عليه «دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر» فيما قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم : «انتم أعلم بأمور دنياكم» لكن هاجس الدولة الدينية استمر على مر العصور. وقد سيطرت الكنيسة في أوروبا حتى فاض الكيل واضطر ملك إنجلترا «هنري الثامن» أن يخرج من الكاثوليكية إلى البروتستانتية كي يرضي هواه في زيجة ثانية قبل أن تنتفض أوروبا كلها وترسم خطاً فاصلاً بين الدين والدولة. فالرائج في تاريخ الامبراطوريات الإسلامية المتعاقبة أن الخليفة كان يحكم بالسلطة الزمنية وليس بالحق الإلهي. وإذا حصل فهي نبوءة بالدخول في مشارف الغروب.
الآن، وفي هذه الانعطافة إلى عالم لم تتحدد ملامحه بعد، يغرق العالم الإسلامي في انحطاط لم يسبق مثله إذ تتناهشه قوتان ترتديان ثوب الله. هناك على ضفة تجاهد «داعش» والقاعدة وأضرابهما لخلق إسلام مفترض بقوة السلاح مستوحين خبث سيد قطب وجلافته في أن العالم كله جاهلي عدا الذين ينتظمون في الجماعة الإسلامية (!)، وكانت عودة متجهمة إلى ميلاد الرسالة المحمدية تنزع عنها الصفاء وتستخلص منها السيف، وكان السيف في ذلك الوقت دفاعاً عن الوجود بينما صار في أيديهم الآن عدواناً على الحياة. وهناك على الضفة المقابلة الجماعة التي تتقدم قليلاً من بزوغ دعوة الرسول إلى وفاته كي تنتقم من اجتماع المسلمين في السقيفة. لقد أدرك العالم خطر الأولى وراح يخوض الحرب ضد الوحش الذي أخرجه من جيبه (داعش وأمثالها) لكنه يصرف النظر عن الوحش الآخر الذي يثير فتنة في الأرض. ومنذ قدم الخميني أطلقها ثورة إنسانية ثم إسلامية حتى إذا استقر لهم الأمر جاهروا بوجهها الطائفي، وها هو أحد جنرالاتهم (محمد على فلكي) يدعو إلى تكوين جيش مذهبي من كل البلدان.
يعنيني الموضوع كله بالانتماء إلى الإنسانية. ويشغلني أمر اليمن بالولادة والحق في الحياة.
ومن منظور ما يجري في هذا البلد فقد كانت «داعش» وأخواتها مولوداً اصطنع منذ احتشد العالم الإسلامي بدافع أمريكي لدحر الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، ولم يزل هذا الوحش تحت الترويض وفي مرمى النيران.
إن التنافس والتنازع وحتى المصادمة اتخذت بعداً جهوياً صرفاً ساهمت في تكريسه تضاريس جغرافية معقدة وظروف اقتصادية صعبة جعلت الخناق شبه دائم بين قرية وجارتها. وأما من الناحية المذهبية فإن اليمنيين لم يعبأوا بالفواصل بين معتقداتهم، وكان الانتقال من منطقة تدين بالزيدية إلى أخرى تتخذ الشافعية مذهباً، أو العكس، تقود مع الأيام والسنين إلى التعايش. يستثنى الإسماعيليون الذين أذاقهم الأئمة الهادويون سوء العذاب من وراثة صراعهم مع القرامطة والصليحيين.
مع مجيء الملالي في إيران وإلقائهم بذرة الحوثي في التربة اليمنية تفجرت حمأة الطائفية. ولأول مرة أخذ اليمنيون يتباعدون في المساجد والطقوس الدينية حتى نشأت ظاهرة الافتراق في أداء الصلاة في المكان الواحد.
هذا الهوى الطائفي قاد الحوثيين إلى بغداد لاستمداد الاعتراف. ولم يبخل العبادي في تأكيد أن خطوة تشكيل المجلس السياسي بصنعاء كان إجراءً دستورياً.
حسناً، فبغداد مدينة تعج بالفوضى، والعراق واقف على شروخ طائفية وحروب دامية، والنظام الطائفي يصرخ بتهم الفساد المتبادلة بين أركانه حتى قيل إن مدير أحد المصارف هرب أكثر من 6 بللايين دولار لصالح الفاسدين.
قد يكون بحث الحوثيين عن اعتراف من بغداد الغريقة هو هروب من هزيمة دبلوماسية في الكويت قادت ولد الشيخ إلى إخطار مجلس الأمن بما يدينهم ويلزمهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"