معركة «الحديدة» ومستقبل اليمن

03:56 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.إدريس لكريني

منذ تفجّر الاحتجاجات الشعبية في اليمن في يناير من عام 2011، حاولت القوى المتصارعة إرساء تحوّل سياسي تفاوضي، قبل اعتماد حوار وطني واسع تحت إشراف الأمم المتحدة؛ تمخضت عنه مجموعة من النتائج والخلاصات المهمة في علاقتها بإعادة هيكلة البرلمان ومجلس الشورى لتكون مناصفة بين الشماليين والجنوبيين، وتسوية قضية صعدة وحظر الميليشيات المسلحة، وتسليم الأسلحة لأجهزة الدولة، إضافة إلى طرح مجموعة من التصورات المرتبطة بالدستور وشكل الدولة.
وفي الوقت الذي كانت فيه الجهود جارية لتقديم مسودة الدستور التي تمت بلورتها في بداية عام 2015، قام الحوثيون بمنع عرض الوثيقة على الاجتماع الرئاسي، عبر اختطاف أمين عام مؤتمر الحوار أحمد عوض بن مبارك؛ بذريعة عدم تناغم وتناسق المسودة مع مضامين وخلاصات الحوار الوطني.
وفي هذه الأجواء المشحونة بالتوتر بين مختلف الأطراف الداخلية؛ قادت المملكة العربية السعودية؛ تحالفاً عسكرياً قام بضرب عدد من المواقع التي يسيطر عليها الحوثيون المدعومون من قبل إيران.. وفي الوقت الذي اعتبر فيه الحوثيون، أن الأمر يعد تدخلاً ضد سيادة اليمن؛ ومن شأنه تعميق الصراع، اعتبرته عدد من الدول عملاً ضرورياً جاء بناءً على دعوة رئيس اليمن الشرعي لحماية اليمن وشعبها من الاعتداءات التي يباشرها الحوثيون.
حققت القوات المشتركة وبدعم من قوات التحالف العربي في الآونة الأخيرة، تقدّماً ملموساً على طريق تحرير مدينة الحديدة من أيدي الحوثيين، ضمن معركة ضارية، لا شك أن حسمها ستكون له تداعيات استراتيجية على مستقبل الأزمة اليمنية ومساراتها.
فقد ظلّت هذه المدينة التي تتموقع في منطقة استراتيجية وتحتضن ميناءً مهماً، تحت سيطرة الحوثيين منذ أكثر من ثلاث سنوات، وشكّلت بمثابة البوابة البحرية الوحيدة التي يتلقّى عبرها المقاتلون الحوثيون المساعدات والدعم العسكري والتقني الإيراني، ما انعكس بالسلب على تطوّر الأوضاع السياسية والاجتماعية والأمنية، وعقّد الأزمة أكثر.
فقد استثمر الحوثيون سيطرتهم على هذا الميناء في فرض الرسوم وتعزيز الموارد المالية والاقتصادية، وابتزاز الخصوم السياسيين، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى فئات واسعة من الشعب اليمني، الذي تضرر بشكل كبير من الأوضاع التي عاشتها البلاد..
ورغم المواقف الملتبسة والمتحفّظة لكل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة من هذه العمليات التي تسعى إلى استعادة الشرعية، انسجاماً مع عدد من قرارات مجلس الأمن الداعية إلى تنفيذ عملية الانتقال السياسي بشكل كامل، تماشياً مع مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها (مثلاً القرار 2266/2016)، فإن هناك الكثير من المواقف والآراء التي تؤكّد على أهمية المكتسبات الميدانية التي باتت تحققها قوات الجيش الوطني اليمني المدعومة بقوات التحالف العربي، بالنظر إلى انعكاساتها الإيجابية المحتملة على الوضع اليمني المأزوم، وبخاصة على مستوى تشديد الخناق على الحوثيين، وعلى المناورات والتدخلات الإيرانية التي أدخلت البلاد في متاهات من العنف والصراع..
إن استكمال تحرير الحديدة، سيشكّل حتماً بداية منعرج مهم ومفصلي في مسار الأزمة اليمنية، سيسمح بتراجع القوات المتمرّدة والحدّ من تمدّدها من جهة، ويضيّق الخناق حولها، بل وسيتيح الأمر تحرير مواقع أخرى كما هو الأمر بالنسبة لعدد من المناطق الساحلية، وتعبيد الطريق نحو مدينة صنعاء من جهة أخرى.. بل إن تطور الوضع باتجاه بسط الشرعية، سيسهم حتماً في تراجع الدور الإيراني في المنطقة ويتيح تذليل العقبات في أزمات إقليمية أخرى، كما هو الأمر بالنسبة للملف السوري الذي وصل إلى مستوى عالٍ من الخطورة التي ألقت بتداعياتها السلبية على المنطقة برمتها، وعلى السلم والأمن الدوليين.
ثمّة مخاوف يثيرها البعض من إمكانية طول المعركة، ونهج المتمردين لخيارات يائسة في شكل حرب عصابات أو عمليات إرهابية قد تزيد من تفاقم الوضع وتدفع بالسكان إلى مغادرة ديارهم.. لكن المعركة الدّائرة رحاها اليوم في منطقة الحديدة، تشكّل بالنسبة لعدد من الخبراء فرصة لتعزيز الضغوط على المتمردين وإنهاء حالة الحرب، وتوفير مناخ يدعم الخيارات السلمية.. فيما يعتبر آخرون أن هذه التوجهات لا تشكل ضغطاً على المقاتلين الحوثيين فقط، وإنما تربك أيضاً كل الحسابات الإيرانية التي ظلّت توظف ميناء الحديدة في هذا الصدد..، وتحدّ من مناوراتها وتدخلاتها.
إن كسب رهان الشرعية والحدّ من التدخلات الأجنبية في اليمن ونهج الصرامة المطلوبة مع المتمردين، هو أمر لا يسائل قوات التحالف فقط، بقدر ما يسائل أيضاً الأمم المتحدة والقوى الدولية الكبرى الراغبة في استقرار اليمن وبناء مؤسساته، للحيلولة دون تمزيق وحدة وسيادة هذا البلد، والانخراط في إعادة إعماره لاحقاً..
وتبرز هذه الأولوية مع تنامي الاستياء الدولي إزاء السياسات الإيرانية المعادية لمحيطها الإقليمي، والمجسدة في التدخلات المختلفة التي تقوم بها داخل عدد من دول المنطقة، كما هو الشأن بالنسبة لسوريا والعراق واليمن.. وإصرارها على تحدي الضغوط الدولية الرامية إلى الحد من انتشار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط، ما دفع الولايات المتحدة إلى الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.. متهمة إياها بتقديم الدعم العسكري للحكومة السورية وللحوثيين في اليمن..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"