معلومات من الخيال عن الانقلاب

02:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العزيز المقالح

ما حدث في تركيا أواخر الأسبوع الماضي من انقلاب محكم الإعداد والأركان، يكاد بفشله اللافت يجيب عن السؤال المطروح عنواناً. وهو - في الوقت نفسه - يؤكد رفض الشعوب لأية حركة انقلابية على الشرعية الدستورية أياً كانت مسوغات هذه الشرعية أو كثرة الملاحظات عليها، يكفي اعتمادها على ما أفرزته صناديق الاقتراع ، فضلاً عن أهمية الموافقة العلنية والضمنية على الاحتكام إلى الديمقراطية بوصفها الوسيلة الممكنة لإقامة نظام ترضى عنه الأغلبية ويضع حداً للانقلابات التي أنهكت جسد العالم الثالث وأفرغت شعوبه من كل رغبة في التغيير الذي لا يلامس بقوة الواقع الاجتماعي والثقافي. وربما تكون تركيا التي أفشلت انقلاب الأمس نموذجاً لما تركته الانقلابات في واقع تلك الجمهورية من ندوب وانكسارات. فقد كان يكفي أن تلتقي مجموعة من القيادات العسكرية على القيام بحركة انقلابية فتجد ذلك الأمر في غاية من السهولة، وإن كان سيفتح الباب لزملاء عسكريين آخرين لممارسة تلك اللعبة في وقت قد يطول أو يقصر.
وكما أن تلك الانقلابات العسكرية الكثيرة التي شهدتها تركيا لم تكن بعيدة عن أصابع القوى الكبرى التي لا تريد لدول العالم الثالث أن تستقر وتتفرغ لبناء ذاتها وتجاوز ما تعانيه من ضروب التخلف، فإنه لا يمكن النظر إلى الانقلاب الأخير الفاشل بعيداً عن تلك الأصابع التي ترى أن مصالحها تتوقف على استشراء الخلافات وانتشار الفوضى والدخول في الصراعات الدموية الهادفة إلى تدمير كل ما يكون قد تحقق أو يمكن أن يتحقق في ظل الهدوء النسبي ، وهو ما كانت تركيا قد شهدته في السنوات الأخيرة ، برغم كل المآخذ التي تؤخذ على الممارسة الديمقراطية في واقع الحالة الأردوغانية، ورغم الرخاء الاقتصادي الثابت بشهادة كل من المعارضة والموالاة على حدٍ سواء. ويبدو أن أصابع القوى الكبرى لن تتوقف عن اللعب بالنار داخل ما كان يسمى شعوب العالم الثالث ، حتى بعد أن انكشفت اللعبة وأصبحت معروفة لأبناء هذه الشعوب التي لم تعمل شيئاً لتحصن نفسها من الانقلابات التي كانت قد صارت موسمية ووسيلة من وسائل تغذية الإعلام العالمي بالأخبار.
وأظن أن كثيراً من المتابعين لأحداث العالم في الوطن العربي قد آثار استغرابهم ما نشره وينشره بعض المحللين العرب عن انقلاب تركيا وما تخلل أحاديثهم وكتاباتهم من تناقضات تؤكد للآخرين أننا ما نزال نتهجَّى أبجدية الوعي السياسي ، سواء تجاه ما يحدث لنا أو لأشقائنا في العالم الإسلامي، ولم يكن غريباً أن يطرح أحدهم رأياً اليوم عن ذلك الحدث ثم يعود في اليوم التالي إلى تغيير موقفه السابق وإعلان رأي آخر سيغيِّره بعد يوم أو يومين. والغريب أن يتجاهل هؤلاء الحقائق والمعلومات المتفق عليها ويـبدؤون في نسج معلومات من صنع خيالهم، فضلاً عن استباق النظر إلى ما سوف يترتب على ذلك الحدث الانقلابي الفاشل في الاستيلاء على الحكم، والناجح في خضّ الاستقرار وتكبيد تركيا الكثير جداً من الخسائر المادية والمعنوية ، وهو ما سيبقى أثره واضحاً في حياة الشعب التركي لفترة قد تطول أو تقصر.
أما أولئك «العباقرة» الذين كانوا أو لا يزالون يصرّون على القول إن الانقلاب في تركيا لم يكن سوى مسرحية من إعداد النظام وإخراجه ليتمكن - كما يقولون - من التخلص من أعدائه ومنافسيه، فإن هذا التحليل «العبقري» يشكّل فضيحة في حد ذاته لا للفهم السياسي المغلوط فقط؛ وإنما للعقلية التي جادت به. وهنا نتساءل: هل من المعقول أن يعمد نظام ما إلى اجتراح مسرحية بهذا الحجم وهذه الكلفة ليتخلّص من مئات وحتى آلاف من المناوئين والمعارضين؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"