معنى سقوط الرمادي

02:14 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبد الخالق
المعنى الأول الذي يطرحه سقوط مدينة الرمادي العراقية في أيدي تنظيم «داعش» هو فشل الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضده، ثم فشل القوات العراقية التي ولت هاربة، وأخيراً فشل الدعم الإيراني المقدم للحكومة العراقية في صورة أسلحة ومستشارين عسكريين.
هذا الفشل الثلاثي، يستتبع بالضرورة التساؤل عن أسبابه، وهل كانت الأطراف الثلاثة عاجزة بالفعل عن وقف زحف “داعش”، أم أن هناك حسابات سياسية غير معلنة لطرف أو أكثر جعلته يتساهل في الدفاع عن المدينة، ويتركها تسقط فريسة سهلة في قبضة التنظيم الإرهابي.
هذا الافتراض لا ينطلق من فراغ بل عززته موجة من الاتهامات الموجهة لأضلاع مثلث الفشل، وتحميلها مسؤولية سقوط المدينة أو إسقاطها كما ردد البعض.
أول المتهمين كانت الولايات المتحدة التي لم يفهم أحد كيف تركت، لعدة أيام وربما أسابيع، قوات “داعش” تتقدم صوب المدينة، ثم تحاصرها، ثم تهاجمها، وأخيراً تسيطر عليها.
من غير الواضح ماذا فعلت الطائرات الأمريكية، ولماذا عجزت عن تدمير القوات المهاجمة أو على الأقل عرقلة تقدمها ومنع اختراقها للمدينة؟ ثم ما هي جدوى الغارات إذا كان التنظيم ما زال قادراً على التمدد وكسب أرض جديدة!
المتسائلون والمتشككون في النوايا الأمريكية يتحدثون عن حسابات غير معلنة لواشنطن تستهدف إطالة أمد الحرب، ويشيرون إلى تقدير أوباما بضرورة منح قواته مهلة لا تقل عن ثلاثة أعوام للحد من قدرات “داعش”.
التساؤل المنطقي هنا هو: هل تحتاج دولة عظمى إلى هذه المدة للقضاء على جماعة إرهابية؟ ولماذا نجحت في هزيمة صدام واحتلال العراق كله في ثلاثة أسابيع وليس ثلاثة أعوام؟ 
ما يثير الحيرة أيضاً تصريح جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، بعد سقوط المدينة، الذي أعرب فيه عن ثقته في قدرة الحكومة العراقية مدعومة بالطائرات الأمريكية على تحريرها خلال أسابيع قليلة وربما أيام.
وإذا كان واثقاً إلى هذا الحد من تحرير المدينة فبماذا يفسر سقوطها بهذه السهولة؟ ألم يكن من الأجدى استخدام الإمكانات المتاحة حالياً لتحريرها في الدفاع عنها من البداية ومنع سقوطها!
بالنسبة لإيران تتحدث الاتهامات عن حسابات سياسية أفضت إلى نتيجة تقول إنها ستكون أحد المستفيدين، إن لم تكن المستفيد الأول، من سقوط الرمادي. هذا الاستنتاج له ما يعززه، إذ إن هذه المدينة على نحو خاص تعد مركز الثقل السكاني للعشائر، وتضم مركز تدريب قوات العشائر أو الصحوات.
وبها قاعدة البغدادي حيث يتواجد الخبراء والمستشارون العسكريون الأمريكيون.
تطهير المدينة من هؤلاء، أي من الأمريكيين وقوات العشائر، يصب مباشرة في مصلحة إيران، التي تعلم أن الأمريكيين سينسحبون من القاعدة فور سقوط المدينة، وهو ما حدث، وأن فلول قوات العشائر ستذبح على أيدي “داعش”، والأرجح أنه حدث أيضاً.
يضمن سقوط المدينة في الوقت نفسه انتشار قوات «الحشد الشعبي»، وهذا أيضاً حدث، استعداداً لتحريرها.
كل ذلك معناه ضربة قاصمة لرئيس الوزراء حيدر العبادي، وإجهاض مشروعه المدعوم أمريكياً بتشكل قوات وطنية غير طائفية.
مثل هذه القوات غير المرحب بها من إيران (وكانت عشائر الرمادي نواة لها) لن يصبح لها وجود بعد ذلك.
الطرف الثالث المتهم هو الجانب العراقي، ولا نعني حكومة العبادي لأن المعادلة العراقية تحوي كثيرين مثل الميليشيات، وهذه لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي نفوذ كبير عليها.
ومن الواضح أن الهزيمة السياسية للعبادي ستصب في مصلحة المالكي وحلفائه الداخليين.
يضاف إلى هذا أن سقوط الرمادي يمثل ضربة أخرى للمشروع التصالحي غير الطائفي الذي تبناه رئيس الوزراء وهو مشروع يتناقض تماماً مع السياسة الطائفية التي سار عليها المالكي طوال حكمه.
وكما هي حال واشنطن التي أعربت عن ثقتها في تحرير المدينة ولم تفسر لماذا لم تمنع سقوطها، فعلت ميليشيا الحشد الشعبي نفس الأمر بصورة مختلفة، حيث زحف مقاتلوها بالآلاف إلى محيطها استعداداً لمعركة التحرير، من دون أن يعرف أحد لماذا لم يتم هذا الحشد للدفاع عن المدينة قبل سقوطها؟
الأمر المؤكد هنا هو أن كل طرف سيحاول استثمار ما جرى لمصلحته.
إيران من جانبها ستجد في سقوط الرمادي فرصة لترسيخ تواجدها في العراق، بل وجعله مقبولاً وربما مطلوباً من جانب واشنطن، التي سترى في الميليشيات المدعومة من إيران القوة الوحيدة القادرة على التصدي ل”داعش “في ظل انهيار الجيش العراقي.
وهذه الميليشيا بدورها ستخرج فائزة أيضاً لأنه جرى الاعتراف بها كقوة وطنية لا سبيل للاستغناء عنها، بدليل أن أول من استغاث بها كان رئيس الوزراء نفسه الذي لم يجد غيرها بعد هزيمة القوات الحكومية، رغم أنه كان يعارض هذا التوجه منذ البداية.
أخيراً..لا يفوتنا أن نشير إلى التزامن بين سقوط الرمادي وإعلان الولايات المتحدة عن قتل أبو سياف أحد قياديي “داعش” في سوريا.
هذا التزامن له دلالته المهمة حتى ولو لم يكن مقصوداً، إذ لم تمض ساعات على إعلان نبأ الاغتيال الذي اعتبرته واشنطن مكسباً كبيراً في حربها ضد التنظيم، حتى رد “داعش” بالاستيلاء على الرمادي.
الفارق هنا كبير وله مغزاه: الأمريكيون يحتفلون بمكسب تكتيكي محدود، بينما “داعش” يرد بنصر استراتيجي كبير، وهذا ما لا يدعو للاطمئنان.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"