مهرجان توزيع الغنائم

03:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

بعد النصر يبدأ توزيع الغنائم. كل من شارك في المعركة من حقه الحصول على مكافأة. يحدث هذا في السياسة كما في الحرب. وفي الحالتين يتولى القائد المنتصر توزيع عطاياه، وهي المهمة الأولى التي سيقوم بها دونالد ترامب بعد أن خرج منتصراً في معركة الانتخابات الأمريكية.
الخطوة الأولى في هذه العملية هي تشكيل ما يعرف بالفريق الانتقالي وهي مجموعة عمل ضخمة تضم العشرات وتتصدى لترتيبات انتقال السلطة. أحد أخطر مهامها هو اختيار المرشحين للمناصب الفيدرالية، بما في ذلك الوزراء. قد تبدو تلك مهمة عادية أو روتينية، إلا أنها عملية شاقة بالنظر إلى العدد الكبير من المواقع التي يتم استبدال شاغليها ويقدر بحوالي أربعة آلاف منصب في الوزارات والأجهزة والوكالات الفيدرالية.
وعادة ما يكون عدد المرشحين الذين يتعين الاختيار من بينهم ضخماً جداً ما يزيد من صعوبة المهمة. وعلى سبيل المثال تلقى الفريق الانتقالي لإدارة أوباما بعد انتخابه حوالى 300 ألف سيرة شخصية لمرشحين.
ولا تقل أهمية تشكيلة الفريق الانتقالي في حد ذاتها عن المهمة التي يضطلع بها. إذ تعطي هذه التشكيلة انطباعاً أولياً عن سياسات الإدارة الجديدة، لأن توجهات أعضاء الفريق تنعكس بالضرورة على اختياراتهم للمسؤولين الجدد.
ويلاحظ هنا أن تشكيلة فريق ترامب أظهرت بوضوح أنه أنهى سريعاً مرحلة المغامر المتمرد على الحزب، وبدأ مرحلة رجل الدولة الذي لا يجد ملاذاً آمناً أفضل من مؤسسته السياسية رغم أنه هاجمها بضراوة طوال الحملة الانتخابية. شكل ترامب فريقه بنفس الهيئة والصورة التي اتبعها أسلافه. الأكثر من هذا أن الفريق لم يهيمن عليه كوادر الحزب فقط، بل أيضاً قادة جماعات الضغط السياسية أو اللوبي أي أصحاب المصالح، وهم تجمع آخر ناصبه ترامب العداء خلال الحملة الانتخابية.
نسي الرئيس المنتخب في ذرة نشوته بالنصر الكثير من تصريحاته عن تجفيف المستنقع الذي يحوي هذين الفريقين أي المؤسسة الجمهورية وأصحاب المصالح. وليس أدل على ذلك من قراره بتعيين رينسي بريباس، رئيس اللجنة الوطنية للحزب كبيراً للعاملين في البيت الأبيض. وقد نشرت الصحف عشرات الأسماء من كوادر الحزب وعناصر وقادة جماعات الضغط يعملون في الفريق الانتقالي.
أما حكاية المستنقع الذي جاء لتجفيفه فقد علق عليها ساخراً السيناتور السابق ترنت لوت الذي يعمل في إحدى جماعات المصالح بقوله، إنه لا بأس من أن يحاول الرئيس الجديد تجفيف هذا المستنقع، ولكن عليه الاستعانة بمن يعيشون فيه لكي يدلوه على مسالكه حتى لا يغرق داخله بدلاً من تجفيفه. ويبدو أن ترامب يستوعب هذا الدرس جيداً ويلتزم حتى الآن بقواعد اللعبة السياسية التقليدية.
لم يشذ ترامب أيضاً عما فعل أسلافه بتوزيع العديد من المناصب على المقربين منه والمخلصين له الذين ساندوه في حملته. بريباس كان واحداً منهم أيده خلال الحملة عندما تخلى عنه الكثيرون من قادة الحزب. كذلك ستيف بانون، السياسي المتطرف الذي عينه كبيراً للمخططين الاستراتيجيين في البيت الأبيض كان أحد أقرب معاونيه في الحملة والقائد الفعلي لها.
كل الرؤساء السابقين قدموا هذه المكافآت لحلفائهم، إلا أن الرياح لا تأتي دائماً بما يشتهى المشتاقون للمناصب مثل براد فريمان، وهو صديق مقرب من أسرة الرئيس السابق بوش الابن وزوجته لورا، وقد ساهم في جمع تبرعات ضخمة في انتخابات 2000. روى فريمان قصة خروجه صفر اليدين في برنامج تلفزيوني قائلاً: «بعد فوز بوش تم تعيين العديد من زملائي في حملته الانتخابية في مناصب رائعة كسفراء أو وزراء. في هذا الوقت الحاسم استدعاني الرئيس وقال إنه يريد تكليفي بشيء مهم. كنت مستنفراً ومنفعلاً للغاية في انتظار المنصب الموعود. لم أكن أريد السلك الدبلوماسي وبوش يعرف هذا. وعندما بدأ يتكلم توقعت أن يكلفني بتولي المخابرات. انتظرت منفعلاً ومتوثباً بأقصى ما تحتمله نفسي، ثم بدأ بوش يسترجع ذكرياته عندما كنت أزوره في بيته وكيف أمتن لما أظهرته من تعاطف مع قطه العزيز ايرني. صمت بوش برهة تعلقت خلالها عيناي وروحي بشفتيه، ثم خاطبني بلهجة ودية قائلاً: براد «ايرني» مزعج ولا يمكنني أخذه للبيت الأبيض، لذلك أريد أنا ولورا أن تستضيفه لحين انتهاء فترة رئاستي».
انتهى اللقاء وانتهت معه أحلام وطموحات السيد فريمان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"