مواجهة القذافي لأوباما

البُعد الثالث
03:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

انتهز الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي مناسبة ذكرى اجلاء الجيوش والقواعد الأمريكية من الأراضي الليبية (11 يونيو/حزيران 2008) فوجه رسالة لمرشح الحزب الديمقراطي الأمريكي لسدة الرئاسة الأمريكية باعتباره مواطناً أمريكياً أسود من أصل كيني، ولكونه إفريقياً ومسلماً درس في مدرسة إسلامية في إندونيسيا، انتقد فيها تصريحات أوباما التي قال فيها إنه سيجعل القدس عاصمة إلى الأبد ل "الاسرائيليين"، واتهمه بأنه جاهل بالسياسة الدولية وغير ملم بملف الصراع في الشرق الأوسط، ومع ذلك تمنى القذافي أن تكون تصريحات أوباما مجرد "أوكازيون انتخابي". واتخذ الزعيم الليبي من قضية الانتخابات نافذة يطرح من خلالها رأيه القديم في الديمقراطية، فوصف الانتخابات في عمومها بأنها مهزلة يكذب فيها المرشح على الناس، وعندما ينجح بأصواتهم يتنكر لما قطعه من وعود باعتبار أنها دعاية انتخابية مجردة. لكنه في ذات الوقت وجه سؤالاً مباشراً لأوباما الذي وعد بتخصيص ثلاثين مليار دولار ل "اسرائيل" في السنوات العشر المقبلة: "الاسرائيليون" منعمون ويحتلون كل شيء والدعم يتدفق عليهم كل سنة، فلماذا أنت تزيدهم؟

وتوقف القذافي عند عبارة وردت على لسان المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية في إطار وعده بأن يمكّن "اسرائيل" من التفوق العسكري والدفاع عن نفسها من غزة إلى إيران، واتخذ من تلك العبارة مدخلاً لمهاجمة الوطن العربي ككل، معتبراً عبارة أوباما تلك تجاهلاً للعرب وعداداً لهم في خانة المستسلمين والمنبطحين، وأرجع ذلك للعرب أنفسهم وللمسلمين أيضاً الذين فشلوا، رغم تفوقهم العددي على اليهود، في أمريكا، في أن يشكلوا قوة مؤثرة وفاعلة، وأرجع ذلك الضعف الى أنه امتداد لضعف البلدان العربية والإسلامية.

ولفت نظري بداية في خطاب العقيد القذافي، الذي ألقاه في قاعدة "معيتيقة" العسكرية التي كانت قاعدة هويليس الأمريكية سابقاً، أنه دخل في مواجهة علنية مع أوباما بطريقة درامية، إذ كان يركز على القضايا ويقول: كنت أتوقع أوباما أن يقول كذا، وأن يعد بفعل كذا.. وكنت أنتظر من أوباما أن.. وكنت أتمنى لو أن أوباما وظف شعار (التغيير) الذي يتخذه في حملته الانتخابية لإعلان انقلاب على السياسات الأمريكية السابقة، والتخلي عن التعامل مع (العملاء) وفي بلدان العالم قاطبة واحتضان الشرفاء وأصحاب المبادئ. كما لفت نظري بوجه خاص تركيزه على فكره الدولة الواحدة (اسراطين) أي "إسرائيل" وفلسطين، باعتبارها الحل الجذري والتاريخي والنهائي، وأراد أن يضعها في فم أوباما. والفكرة أصلاً للعقيد القذافي وبشّر بها في الكتاب الأبيض. لفت نظري كذلك، أن العقيد يريد من أوباما أن يقف مع الأمه الكردية التي وصفها بأنها ممزقة ومعذبة ومضطهدة ومستعمرة من "الكل". وأخيراً رؤية القذافي لبعض القضايا والتي أبرزها من خلال مخاطبته لأوباما، مثل مكافحة الأمراض وتوسيع قناة السويس وتطهير بحر أورال المهدد وبحيرة تشاد المتدهورة وبناء سد (آنفا) لكهربة إفريقيا بأسرها، وإرسال قوات دولية الى غزة أسوة بدارفور وكوسوفو. وكل ذلك لا غبار عليه لأنه يدخل في بوابة النصح لأمريكا عموماً، وللمرشح الديمقراطي للرئاسة أوباما بوجه خاص. بيد أن ما استوقفني حقيقة في خطاب العقيد المواجهة الشخصية مع أوباما، إذ حرضه على التخلص من عقدة النقص بأنه أسود لا يحق له حكم أمريكا، مؤكداً له أن ذلك الشعور سيدفعه لاعتماد سياسة البيض فيتحول إلى ملكي أكثر من الملك. وذكّره بأنه مهاجر مثل بقية الأمريكيين، وأن أصحاب الأرض الأصليين هم الهنود الحمر، كما أكد له أن وراءه قارة إفريقيا كلها التي تنتظر ماذا سيفعل رئيس أسود في أمريكا، الى درجة أن الناس يأملون في نجاح مرشح أبيض، وليس أسود، ينتقم من بني جلدته، ويبالغ في الإمعان في ممارسات البيض المكروهة ضد الأجناس الأخرى خاصة السود.

ترى هل تفيد مواجهه القذافي لأوباما، وهل تثنيه عمّا أعلنه والتزم به في حملته الانتخابية؟

في رأيي، أن العقيد القذافي قام بأضعف الإيمان وفضفض وأفاض.. وما عليه إن لم يفهم الرجل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"