نتنياهو تحت جناح الجائحة

03:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

المد اليميني الدكتاتوري ليس له فرصة في تحقيق فوائد من الفيروس في حالة استمرار الجائحة

تحاول الدول الكبرى المصابة بجائحة الكورونا أن تفتح الحياة الاقتصادية مجدداً، لأنها لن تغامر باستمرار الإغلاق المكلف اقتصادياً ومالياً لها، فإن استطاعت ترميم الوضع بضخ أموال لمدة أربعة أو ستة أشهر، إلا أنها تغامر بالتراجع في النمو بنسبة قد تصل إلى أكثر من 8 في المئة كما هو حال إيطاليا مع انتشار الجوع في طبقات فقيرة أصلاً كما هو حال الولايات المتحدة والهند.

الجميع يعلم بعد تجارب تاريخية سابقة، أن الركود الاقتصادي عادة ما يفرز حكومات يمينية دكتاتورية مثل الركود الكبير في أوروبا في أواخر عشرينات القرن الماضي الذي أنتج صعود النازية والفاشية وأدى إلى تفشي الجوع والبطالة في الولايات المتحدة أيضاً. سبق وأشرنا في مقال في بداية جائحة الكورونا كيف أن الاتحاد الأوروبي نهض متأخراً لنجدة إيطاليا وإسبانيا لكن بشكل عام وجدنا الأحزاب الشعبوية اليمينية تكتسب زخماً في أوروبا. وبعيداً عن أوروبا التي يمكنها مداواة اتحادها لأن المشاعر ضد الاتحاد في إيطاليا وإسبانيا ستخف على المدى الطويل إلا أن هناك حالتين تشيران إلى تنمّر يميني وجنوح نحو الفردية لدى كل من الرئيس ترامب وصديقه نتنياهو. فالاثنان يريدان استثمار الجائحة لصالح بقائهما في الحكم متجاوزين مبادئ دستورية وديمقراطية. في حالة الرئيس ترامب فإنه بات ناطقاً باسم وزارة الصحة وصار يفتي في أمور طبية لا علاقة له بها حتى إن خبير الأوبئة أنتوني فوشي قال إنه لا يستطيع أن يخطف الميكروفون من أمام ترامب ويقول إن ما يدلي به غير صحيح علمياً، ما دفع ترامب إلى نشر تغريدة على «تويتر»، تُطالب بإقالة عالم الأوبئة لانتقاده طريقة تعامل البلاد مع فيروس كورونا المستجد.

ويبدو أن الرئيس الأمريكي يريد تكديس سلطات فردية في يده وصولاً إلى استخدام الجائحة انتخابياً، حيث طلب إصدار شيكات المساعدات للأفراد باسمه شخصياً في سابقة لم يشهدها التاريخ الأمريكي. ورغم الانتقادات لهذه الخطوة واعتبارها استغلالاً للجائحة انتخابياً إلا أنه لم يتراجع عنها وهدد بتعليق عمل الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ حتى يتمكن من تمرير توظيفات في مناصب عليا في سلك القضاء بموجب الدستور وهي صلاحيات لم يسبق أن استخدمت من قبل، في توجه نحو الفردية في ممارسة السلطة لدى الرئيس الذي يعاني في سنته الانتخابية، الجائحة ويريد تجيير سوء إدارته للأزمة لصالحه بانتقاد سلفه أوباما بداية، وكان الأخير أكد في خطاب قديم له ضرورة بناء بنية صحية قادرة على

مواجهة وباء متوقع بعد خمس أو عشر سنوات، كما أن عدة أطراف أمريكية ومنها البنتاجون والمخابرات حذرت مسبقاً من انتشار الفيروس ولم يأخذ ترامب التحذيرات على محمل الجد، لذلك فهو يصعّد حملته على منظمة الصحة العالمية ثم على الصين لإيجاد عدو خارجي ينقل المعركة إليه وحجب تقصيره.

في موازاة ذلك، انتهز بنيامين نتنياهو جائحة الفيروس وحاول أن يلعب دور المنقذ للعالم، بالحديث عن لقاح قريب ثم تبين زيف ادعائه عندما طلب أطناناً من دواء للملاريا من الهند واليابان لعلاج المصابين، وفشل في توفير أجهزة التنفس والكمامات إلا من الخارج. لكنه أيضاً استغل الأزمة بالدعوة لحكومة وحدة، ونجح في تفكيك تحالف «كحول لافان»، لكنه اشترط السيطرة على وزارة القضاء لاتخاذ إجراءات بحق الجهات التي لاحقت ملفات الفساد ضده، وإجراء تعديلات لتقليص صلاحيات المحكمة العليا، ومنع تقديم مشروع قانون يحظر على من قدمت ضده لوائح اتهام، بالترشح لرئاسة الحكومة. وهذا أدى إلى إفشال المفاوضات مع الجنرال جانتس.

وأمام فشل نتنياهو في تشكيل حكومة برأسين مع جانتس واحتمال التوجه إلى انتخابات رابعة في أغسطس المقبل، هدد بالعصيان المدني من قبل تكتل أنصاره وحلفائه من اليمين والمتدينين والنزول إلى الشوارع ومقاطعة الانتخابات، وهي ظاهرة غير مسبوقة تتعارض مع القيم الديمقراطية وتضع الأمر بين أيدي الغوغاء لفرض رأي الأقلية بالقوة. وأعتقد من خلال المعطيات المتوفرة علمياً أن العالم مضطر للتعايش مع الفيروس لفترة طويلة في غياب لقاح شاف منه؛ بل أقصى ما يوفره الطب حالياً هو علاج للمرض وليس لقاحاً، ولا أظن أن المد اليميني الدكتاتوري له فرصة في تحقيق فوائد من الفيروس في حالة استمرار الجائحة .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"