نتنياهو في بلد غاندي

02:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

حرص بنيامين نتنياهو على القول خلال زيارته الطويلة إلى الهند إن الولايات المتحدة ستقوم بنقل سفارتها إلى القدس خلال العام الجاري، وهو ما نفاه الرئيس دونالد ترامب. يعود حرص نتنياهو على التفوه بعبارته هذه في بلد المهاتما غاندي إلى كون الهند قد انضمت إلى أغلبية دول العالم بالتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد القرار الأمريكي بنقل السفارة. المسؤولون الهنود لم يعلقوا على تصريحات ضيفهم بهذا الخصوص، والتي يغمز فيها من قناتهم، وكانت تصريحاتهم على العموم مقتضبة خلال هذه المناسبة التي لم يتوقف فيها نتنياهو عن الإدلاء بالتصريحات بما يتوافق مع نزوعه إلى الاستعراض والإقامة الدائمة تحت الأضواء، ولدرجة أنه انتقد الصحافة «الإسرائيلية» التي لم تواكب زيارته «التاريخية» كما يجب.
وبعيداً عن السمات الخاصة بهذا الشخص، فإن الموقف الهندي إزاء قرار نقل السفارة الأمريكية لم يمنع نتنياهو من التمسك بموعد زيارته إلى بلد غاندي التي استمرت ستة أيام، والتي اصطحب فيها معه أكثر من 150 رجل أعمال، من بينهم عشرة مديرين لشركات كبيرة. الهند استقبلت الرجل بترحاب على الطريقة الهندية الشرقية في الترحيب بالضيوف، وهي ثاني زيارة لرئيس حكومة «إسرائيلي» إلى نيودلهي بعد الزيارة التي أدّاها إرييل شارون في العام 2003.
وقد أتت زيارة نتنياهو بعد نحو ستة أشهر فقط على زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا موداي لتل أبيب، وهي الزيارة التي أدت حينها إلى الاتفاق الأولى على توريد صفقة صواريخ إلى الهند بقيمة نصف مليار دولار. وقد تراجعت الهند عن الصفقة بعد احتجاجات من صانعي الأسلحة في الهند، وقد سعى نتنياهو في زيارته هذه إلى التفاوض مجدداً حول الصفقة، من دون أن تتسرب معلومات فورية حول الموقف الهندي من هذه المسألة. علماً أن التعاون العسكري بين الجانبين يشمل توريد أسلحة مختلفة إلى الهند بقيمة مليار دولار سنوياً. فيما هدفت هذه الزيارة إلى توسيع نطاق التبادلات، وقد جرى خلالها توقيع تسع اتفاقيات في مجالات البترول والغاز والطاقة المتجددة والبحث والتطوير الصناعي والطيران المدني والسايبر.
يُذكر هنا أنه حتى العام 1994 لم تكن هناك علاقات تربط نيودلهي بتل أبيب، وكان مجمل العلاقات العربية الهندية متيناً للغاية، فيما كانت الهند تناصر المواقف العربية على الدوام، وخاصة إبّان حكومات حزب المؤتمر. وقد بدأت علاقات نيودلهي بتل أبيب عقب توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993، وهو الاتفاق الذي تنصلت منه «تل أبيب» لاحقاً.
المهم الآن أن «تل أبيب» وهي تسعى لتوسيع مدى علاقاتها في آسيا وإفريقيا، فإنها لا تكتفي بإنجاز تفاهمات سياسية، ولو عامة مع بلدان القارتين، ولكنها تقوم بتقديم عروض محسوسة حول التعاون العسكري والتجاري والعلمي والصناعي والإلكتروني لدى بلدان هي في أمسِّ الحاجة لمشاريع أو اتفاقيات من هذا النوع، وذات انعكاس على مستوى الحياة. أي أن لديهم ما يقدمونه من عروض جاذبة للآخرين، وهذا هو الفرق بيننا وبينهم، حيث ينجحون هم أكثر في بناء شبكة مصالح فعلية ودائمة، وبحيث تصبح هذه المصالح أساساً للعلاقات للسياسية، وحيث يصعب التراجع عن مستوى العلاقات خشية المساس بهذه المصالح. وعليه فإن الهزيمة العربية أمام «تل أبيب» لا تقتصر على المجال العسكري، بل هي هزيمة ذات علاقة ببُنية عامة، وحيث لم ندخل بعد على سبيل المثال في عصر الصناعة بصورة متطورة وندّية مع الآخرين، بما في ذلك بعض الدول النامية في عالمنا، بينما جمع التطور الصناعي كلاً من «تل أبيب» ونيودلهي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"