نظرة على الموقف الخليجي تجاه اليمن

03:33 صباحا
قراءة 4 دقائق
يسجل لمجلس التعاون الخليجي ولدول المجلس موقفها المبدئي الحازم في دعم الشرعية باليمن، ورفض الانقلاب على ما ارتضاه اليمنيون من عملية سياسية أدت إلى تنحية الرئيس السابق علي عبدالله صالح وتسمية نائبه هادي عبدربه منصور ثم انتخابه رئيساً للبلاد . علماً بأن الشعب اليمني قال كلمته مطالباً بالتغيير في بحر العام 2011 ، وقد جاءت المبادرة الخليجية آنذاك المدعومة عربياً ودولياً من أجل حقن الدماء . وقد استجاب علي عبدالله صالح لموجبات تلك المبادرة في حينها .
تطور الأحداث في ما بعد، كشف أن جماعة الحوثيين كانت تعد العدة آنذاك للانقضاض على الثورة اليمنية وعلى مخرجاتها متمثلة على الخصوص بالمبادرة الخليجية، وأن الرئيس السابق مستغلاً بعض النفوذ في مؤسسات حساسة كان يناور من أجل العودة إلى الوراء، بالتناغم مع جماعة الحوثيين المدعومة من طرف إقليمي كما بات جليّاً للقاصي والداني، هذه الجماعة التي لا تتوانى بعدما سلكت سلوكاً انقلابياً صارخاً عن تهديد دول الجوار علاوة على تهديد جموع اليمنيين . إذ تتصاعد أصوات من الطرفين تنذر بعودة الاقتتال والاحتراب بين اليمنيين إذا لم يتم التسليم بالأمر الواقع الانقلابي .
وقد أحسنت صُنعاً دول مجلس التعاون بالمبادرة إلى فتح سفاراتها في عدن العاصمة المؤقتة الحالية لليمن، في وقت عمدت فيه دول عدة في العالم وبعضها من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لإغلاق سفاراتها في صنعاء، وذلك في إشارة واضحة إلى رفض التعامل الدولي مع الانقلابيين . وجرى بعدئذ خليجياً الترحيب بطلب الرئيس هادي بأن تستضيف الرياض حواراً يمنياً بين مختلف الأطراف لإعادة الأمور الى نصابها ، وهو ما لا يسع أي طرف يمني رفضه، حيث لوحظ أن الحوثيين ومعهم جماعة الرئيس السابق لم يجاهروا برفض طلب الرئيس هادي لإدراكهم أن هذا الطلب يلقى قبولاً لدى الأغلبية الغالبة من اليمنيين، من دون أن يعلنوا استجابتهم لهذا الطلب . والراجح أن هذين الطرفين سيحاولان وسعهما شراء الوقت، من أجل تعطيل حوار يمني جامع في الرياض، وإنكار تطلعات اليمنيين، والإمعان في الاحتكام إلى السلاح .
والتقارير الإعلامية تترى حول تدفق السلاح عبر البحر إلى هؤلاء من مصدر إقليمي، والقيام بتدريبات ومناورات عسكرية في محافظة صعدة، وذلك لمواصلة استخدام السلاح والتهديد باستخدامه لبلوغ غايات سياسية، وذلك بالضد من إرادة اليمنيين، والكثير منهم في شمال البلاد لا يتوقفون عن إبداء مظاهر السخط على الانقلاب، وبعضهم يتصدّون للتمدد الحوثي بكل ما يملكون من وسائل مما تحفل بتفاصيله التقارير الإعلامية شبه اليومية الواردة من الداخل اليمني .
ومن الواضح أن هناك موقفاً عربياً وإسلامياً يكاد يقترب من الإجماع يساند الشرعية اليمنية، ويرفض التدخل الخارجي في هذا البلد الذي يقوّي شوكة الانقلابيين على شعبهم، وإن كانت أطراف عدة ولأسباب مختلفة تكتفي برفض الحالة الانقلابية، من دون تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي الكافي للشرعية .
المأمول والمطلوب من القمة العربية الدورية المنتظر انعقادها قبل نهاية مارس/آذار الجاري، أن تستجيب لتطلعات اليمنيين وتمنحهم رسالة دعمٍ لا لبس فيها، كما لدولة اليمن العضو المؤسس في الجامعة العربية، وذلك بدعم الشرعية وأن يشغل الرئيس هادي بالطبع مقعد بلاده في القمة، بما يتيح له مخاطبة القمة والرأي العام العربي، والإحاطة بمجريات التطورات في هذا البلد العربي العزيز، الذي لا يتوانى مسؤولون في دولة إقليمية عن الجهر بأن اليمن بات بفضل الانقلاب الحوثي جزءاً من نفوذهم ومجالهم الحيوي .
إن دعم اليمن في مثل هذه الظروف وفي ضوء هذه التطورات يُشكل دعماً لسيادة واستقلال هذا البلد، أمام مخططات مصادرة قراره الوطني والسيادي المستقل، وليس دعماً لطرف ضد طرف آخر، أو انتصاراً لفئة على سواها، كما يمثل إسناداً لتوق اليمنيين في تحقيق الإصلاح الشامل الذي عبرّت عنه الثورة اليمنية، وما تلاها من تطورات أفضت الى طرح المبادرة الخليجية التي حظيت بإجماع يمني وعربي ودولي، قبل أن ينقضّ عليها (على الثورة والمبادرة) من يرغبون بإعادة عقارب الساعة الى الوراء . . ليس إلى ما قبل ثورة فبراير/شباط 2011 فحسب كما يتطلع الرئيس السابق، بل حتى إلى ما قبل الثورة التي أنهت حكم الإمامة في مطلع ستينات القرن الماضي، كما يسعى الى ذلك الانقلابيون الذين أخذتهم العزة بالإثم، والاستقواء بالخارج على شعبهم .
لقد عانى اليمنيون على مدى عقود الانقلابات والاقتتال الأهلي، كما الاستبداد والفساد، والتطورات الأخيرة التي وقعت في بحر الشهور الماضية تنذرهم بفصول سوداء جديدة لا قدّر الله، الأمر الذي يضاعف معاناة الملايين من اليمنيين، ويهدد وحدتهم الوطنية، ويستنزف موارد البلاد البشرية والطبيعية، كما ينذر بالمسّ بأمن واستقرار منطقة الخليج التي تربطها وشائج جغرافية وثيقة وتاريخية عميقة باليمن واليمنيين، الأمر الذي يملي الوقوف الحازم مع هذا البلد العزيز وشعبه الشقيق، والدفاع عن سيادته واستقلاله أمام التدخل السافر في شؤونه، وتغليب فئة بعينها على مجموع الشعب، والاجراءات السياسية والدبلوماسية التي اتخذتها دول مجلس التعاون، هي خطوة سليمة على الطريق الصحيح ومثالٌ يُحتذى وواجب الاستكمال عربياً وإسلامياً ودولياً .


محمود الريماوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"