هدية ترامب لمواطنيه وأعدائه

03:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

لا نسعى للغوص في تفاصيل الأزمة القانونية والدستورية والسياسية التي فجّرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلان حالة الطوارئ، لتمويل بناء الجدار على الحدود الجنوبية مع المكسيك. تظل الأزمة داخلية طالما انحصرت في تلك الجوانب الخلافية بين المؤيدين للقرار والمعارضين له. غير أنه لا يمكن تجاهل أبعاد أو تداعيات خارجية نلمحها حتى لو لم تكن في قلب الجدل المحتدم حالياً في الولايات المتحدة.
واحدة من الباحثين الأمريكيين النابهين تحدثت عن أحد الأبعاد الخارجية في الأزمة وحذرت منه وهي الكاتبة سمانتا فينوجراد المتخصصة في قضايا الأمن القومي، وتعمل حالياً محللة سياسية في شبكة «سي إن إن» التلفزيونية، وسبق أن عملت في فريق الأمن القومي للرئيس السابق باراك أوباما بين أعوام 2009 و2013 كما عملت في وزارة الخزانة إبان حكم الرئيس السابق بوش الابن.
ترى فينوجراد أن قرار إعلان الطوارئ بالصورة التي اتخذه بها ترامب ودون مشاورة الكونجرس والحصول على موافقته، وبلا مبررات أمنية منطقية ومتماسكة يدعم الصورة الذهنية السلبية لدى الرأي العام العالمي عن الرئيس. القرار بهذا الإخراج البائس يعزز الانطباع الذي يردده خصوم ترامب عنه كسياسي مندفع ومتهور لا يتردد في الإقدام على أي قرار دون حساب العواقب المحتملة، والتداعيات المتوقعة، ودون بحث مسبق ومستفيض بشأن النتائج السياسية والقانونية المترتبة عليه.
لا يحتاج أعداء الولايات المتحدة، كما تقول الخبيرة، لأكثر من هذا النوع من الرجال في البيت الأبيض. وبوسعهم الدفاع عن مواقفهم بتحميل ترامب واندفاعاته غير المتوقعة المسؤولية عن أي أزمة أو خلاف مع واشنطن. لقد زود ترامب أعداء الولايات المتحدة بذخيرة دعائية مجانية، لأنه إذا كان هذا السلوك غير المحسوب هو ما يميز قراراته الداخلية فما الذي يمنع أن يكون نفس هذا النمط من التصرفات الطائشة هو المتحكم في سياساته الخارجية؟
هنا يشعر الأمريكيون في الداخل والحلفاء والأصدقاء في الخارج بالقلق، لأنه لا يوجد بالفعل ما يمنع نشوب أزمات خارجية في حالة اندفاع ترامب باتخاذ قرارات مفاجئة وغير تقليدية على هذا النحو.
الأخطر كما تقول الباحثة الأمريكية أن أعداء بلادها يمكن أن يستثمروا بذكاء هذا النزوع للاندفاع لاستفزاز ترامب عبر إثارة أزمات معينة، ومن ثم دفعه لاتخاذ قرارات متسرعة وغير مدروسة تستنزف الوقت والجهد والموارد، ويدفع ثمنها المواطن الأمريكي والأمن القومي للبلاد.
وكما أهدى ترامب أعداء أمريكا في الخارج هذه الهدية المجانية، فقد كان كريماً مع خصومه الديمقراطيين في الداخل بمنحهم هدية أخرى هي إرساء سابقة مهمة بتجاوز الكونجرس وإعلان حالة الطوارئ لغرض سياسي يتشح بعباءة الأمن القومي، ونعني به تمويل الجدار لوقف تسلل المهاجرين.
بوسع أي رئيس ديمقراطي قادم أن يستفيد من هذه السابقة لإعلان الطوارئ لتنفيذ أي قرار أو قانون يرفضه الجمهوريون عادة مثل القوانين الخاصة بالتغيرات المناخية أو حيازة السلاح أو الإجهاض وغيرها كثير. وقد تحدثت عن هذا الاحتمال بوضوح تام نانسي بيلوسي الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب.
مثل هذا التطور يعني تجاوز الحدود الدستورية المنصوص عليها فيما يتعلق بسلطات الرئيس.
كما أنه يخل بالنظام السياسي الذي قامت عليه الولايات المتحدة منذ تأسيسها بمراعاة توازن محسوب بدقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
يفسر هذا لماذا سارع كثير من الجمهوريين إلى رفض أو إبداء التحفظ على قرار ترامب رغم تأييدهم لفكرة بناء الجدار الحدودي. ذلك أن إطلاق سلطات الرئيس على هذا النحو يمثل تطوراً خطيراً سيكون له ما بعده. وهذا المعنى بالضبط هو ما قصدته فينوجراد عندما قالت: إن ما بدأ مع ترامب لن ينتهي معه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"