هل تصمد السلطة أم تستعين بانتفاضة؟

03:17 صباحا
قراءة 4 دقائق
حافظ البرغوثي

تتفاقم الأزمة المالية وانعكاساتها على الوضع المعيشي للفلسطينيين، بسبب احتجاز الاحتلال لجزء منها بحجة أنها تدفع لتمويل «الإرهابيين» على حد زعمهم، وهي رواتب أسر الشهداء والأسرى. وقد بدأ رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محمد اشتية عهده باتخاذ إجراءات تقشفية للحد من الصرف، ودعا الفلسطينيين إلى الصبر والصمود أمام الحصار المالي «الإسرائيلي» الأمريكي.
بالطبع أشار اشتية إلى أن الشهرين المقبلين سيكونان الأكثر صعوبة. فقد اقترضت المالية الفلسطينية على مدى الأشهر الأربعة الماضية من البنوك لدفع الرواتب جزئياً لكن البنوك لا تستطيع الاستمرار في منح القروض لأنها أولاً تجارية وأغلبها أردنية ولأن الأزمة لا أفق لحلها قريباً كما أن هناك مبالغ كبيرة على موظفي السلطة كقروض لا يستطيعون تسديدها لانقطاع الرواتب.
ورغم مخاوف الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» من تردي الوضع وتحوله مثل غزة إلى صدام مع الاحتلال والمستوطنين، إلاّ أن الفراغ السياسي في الكيان الاحتلالي يمنع التوصل إلى حل في غياب الكنيست الذي أقر خصم مخصصات الأسرى والشهداء، ولا يلغي قانونه إلاّ بقرار من الكنيست الذي سيجري انتخابه في سبتمبر/أيلول المقبل. ولا يريد بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال إظهار موقف يحسب عليه انتخابياً حيث أخذ عليه معارضوه السماح بإدخال الأموال القطرية إلى حركة حماس ولا يريد نقض قانون أقره الكنيست.
حتى الآن، الوضع في الضفة الغربية يجنح للهدوء حيث راهن «الإسرائيليون» على مدى السنوات الماضية على الانتعاش الاقتصادي وتخفيف الإجراءات الاستفزازية ضد المواطنين الفلسطينيين في عدم العودة إلى أشكال الانتفاضة السابقة، رغم العمليات الفدائية الفردية، لكن الوضع الاقتصادي للسلطة تراجع خلال السنوات الأخيرة وانخفضت المساعدات الخارجية. فقد أشار التقرير الأخير للبنك الدولي إلى أن النمو في السلطة الفلسطينية في 2018، تميز بانكماش متواصل وبلغ 0.9 في المئة في الضفة الغربية (نمو سلبي على خلفية النمو الطبيعي في عدد السكان، بنحو 3 في المئة). إضافة إلى ذلك، عكس التقرير التقلص المتواصل في المساعدات الغربية للفلسطينيين (والذي يسجل منذ نحو عقد)، والذي يأتي بخلاف التوسع في المساعدات التي تعطى من الدول العربية (والتي لا تزال أدنى كثيراً من المساعدات الغربية). هكذا فإن المساعدة العامة للسلطة الفلسطينية والتي بلغت في 2010 أكثر من 1250 مليون دولار تقلصت في 2018 إلى نحو أقل من النصف ما يعني أن السلطة لن تستطيع القيام بواجباتها تجاه موظفيها ما يخلق جواً متوتراً ويدفع باتجاه إعادة الحساب في الربح والخسارة لدى الإنسان الفلسطيني البسيط، ما يفتح باب العودة إلى انتفاضة عنيفة ومشاركة قوات الأمن فيها، خاصة أن الدكتور اشتية أشار إلى أن حكومته ستضطر إلى تسريح عناصر من الأجهزة الأمنية لعدم وجود ميزانيات تشغيلية ورواتب، ما سيؤدي إلى انهيار التنسيق الأمني مع الاحتلال وإعطاء دفعة لحركة حماس في الضفة للمقاومة، بل إن السلطة لن تكون قادرة على صرف رواتب موظفيها في غزة ولا صرف ميزانيات تشغيلية للصحة والتربية والتعليم في غزة، وهذا يفاقم الوضع في غزة المتردي أصلاً، إضافة إلى أن الحصار المالي على وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، بدا يخلق حالة من القلق لدى المستفيدين من خدمات الوكالة الغذائية؛ حيث يستفيد منها مليون نسمة في غزة وحدها، بينما توظف الوكالة في مدارسها ومستوصفاتها ومؤسساتها موظفين يصرفون على مئة ألف شخص.
أضف إلى ذلك أن المحاكم «الإسرائيلية» بدأت في إصدار أحكام تعويضات بالملايين للمستوطنين الذين يقتلون في عمليات في الضفة وتقتطعها من الأموال الفلسطينية المحتجزة وتنوي خصم الغرامات على الأسرى منها أيضاً، حيث حكمت محكمة احتلالية على والدة الشهيد أشرف نعالوة بالسجن وغرامة قيمتها 13 مليون دولار لأنها لم تبلّغ عن ابنها.
لكن حسابات أجهزة الأمن «الإسرائيلية» التي تحذر من الوضع تختلف عن حسابات السياسيين الذاهبين إلى انتخابات قريبة، والخطر كما يعتقد الكثيرون، أنه في حالة طرح «صفقة القرن»، التي يبدو أنها ستجحف بحقوق الفلسطينيين في مثل هذه الظروف فإنه لن يكون هناك فلسطيني إلاّ ويهب ضد الاحتلال، بالطبع هناك محاولات خفية لحل الخلاف، لكن السلطة الفلسطينية متمسكة بمخصصات الأسرى وعائلات الشهداء، لأنها في حالة موافقتها على احتجاز مخصصاتهم إنما توافق على تجريم النضال الفلسطيني واعتباره إرهاباً، كما جاء في قانون الكنيست وقرار الكونجرس الأمريكي الذي سبق الكنيست في إقرار مثل هذا القانون.
ويتوقع محللون «إسرائيليون» أن تصمد السلطة لشهر أو اثنين ثم تفلس في غياب شبكة الأمان العربية التي أقرت مراراً في المؤتمرات العربية ولم تنفذ، وينتظر أن تدعو الجامعة العربية إلى اجتماع لهذا الهدف قريباً. ويعتقد في الجانب الفلسطيني أن حل الخلاف مع الاحتلال سيتوقف على نتائج الانتخابات «الإسرائيلية» وعلى مضمون «صفقة القرن». وفي حالة استمراره سيكون هناك احتمال قوي لانتفاضة جديدة تدفع السلطة باتجاه اندلاعها؛ حيث لا يبقى للفلسطيني ما يخسره.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"