هل تعترف بريطانيا بخطيئتها وتعتذر؟

01:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
تحل في العام المقبل 2017 الذكرى المائة لوعد بلفور، وزير المستعمرات البريطاني، وهو الوعد الذي أبرم تعاقداً بين الانتداب البريطاني، والحركة الصهيونية للسيطرة على فلسطين. لم تنطو تلك الوثيقة على مجرد وعد، بل جاءت بمثابة التزام تم اعتماده وتنفيذه على الأرض وأدى إلى الكارثة التي أحاقت بشعب فلسطين، وبالتعاون مع الانتداب البريطاني (1923 1948 )أقامت الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، الذي هدد وما زال يهدد دول المنطقة وشعوبها.
السلطة الفلسطينية على لسان وزير خارجيتها، رياض المالكي أعلنت أنها ستقاضي بريطانيا دولياً على هذا الوعد، الذي تعاقد فيه من لا يملك مع من لا يستحق عبر تلك الصفقة غير المشروعة. المالكي عبّر عن ذلك أمام القمة العربية التي عقدت في نواكشوط يوم 27 يوليو/تموز الماضي، حيث دعا الجامعة العربية إلى دعم التوجه الفلسطيني بهذا الاتجاه.
الخطة بطبيعة الحال متأخرة جداً، من دون أن تسقط بالتقادم، فقد اتبع الجانب الفلسطيني على مدى عقود سياسة تقوم على إرضاء الغرب واستمالته، بما فيه بريطانيا صاحبة الوعد، ولذلك لم يفكر أو لم يقرر أصحاب القرار اتخاذ خطوة في هذا الاتجاه، لمقاضاة المملكة المتحدة وحملها على الاعتراف بالخطأ الكارثي الذي اقترفته، ومطالبتها بالاعتذار للشعب الفلسطيني المنكوب.
المسألة ذات طبيعة سياسية - قانونية. يمتلك الفلسطينيون أعداداً وفيرة من أساتذة القانون الدولي الذين يمكنهم وضع التكييف القانوني للسير في إجراءات القضية. على أنه محظور على القيادة الفلسطينية التراجع أو التردد في طرح القضية أمام محفل قضائي دولي، إذ إن التراجع سيظهر التشكك في عدالة هذه القضية. ولا شك أن الجانب الفلسطيني سيتعرض إلى ضغوط من جهات شتى، لحمله على عدم السير على هذه الطريق، خاصة أن السلطة الفلسطينية تعتمد على الجانب الأوروبي في تمويل الجزء الأكبر من ميزانيتها. لم تعد بريطانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي، ولكنها ما زالت ترتبط بعلاقات وثيقة مع أطراف أوروبية وأمريكية، حيث من المتوقع أن تنبري واشنطن لخوض حملة مستترة أو علنية لثني الجانب الفلسطيني عن التقاضي ضد المملكة المتحدة، وهو ما ينبغي أن تتهيأ له السلطة الفلسطينية إذا كانت جادة في توجهها الصائب هذا.
علماً بأن إثارة هذه القضية من شأنه إعادة تسليط الأضواء على جذور القضية، على الخطيئة الأولى، وعلى الدور البريطاني في صنع الكارثة. وفي وقت تراجعت فيه مكانة القضية الفلسطينية على المستوى الإقليمي والدولي، وذلك نظراً لاندلاع موجة عنف غير مسبوقة في منطقتنا، فإن تركيز الأضواء في هذه الآونة على مقدمات النكبة الفلسطينية ودور الانتداب البريطاني فيها، من شأنه إيقاظ الوعي مجدداً بمدى الظلم الذي أحاق بأبناء القضية الذين اقتلعوا من وطنهم، إلى جانب تدمير مئات البلدات والقرى قبل قيام الكيان الصهيوني وبعد نشأته، وارتكاب عشرات المجازر ( نحو 70 مجزرة) من أجل ترويع أصحاب الأرض وحملهم على الهجرة.

رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أعلن رداً على التحرك الفلسطيني أن «السلطة الفلسطينية ستفشل في ذلك»، وليس بمستغرب أن تنشط «تل أبيب» لإحباط هذا التحرك، فاللصوص والقتلة لا يتوانون عادة عن السعي إلى إخفاء معالم جريمتهم والتستر على شركائهم. وللحركة الصهيونية نفوذ واسع في الغرب في مختلف المجالات والميادين ومن المتوقع، بل المنتظر أن تشن مع حلفائها حملة تضليل وخلط أوراق، من أجل حجب الحقيقة الممثلة بتواطؤ بريطانيا الانتدابية مع العصابات الصهيونية من أجل حرمان الجزء الأكبر من الفلسطينيين من وطنهم، وإحلال المستوطنين محلهم وإقامة دولة لهؤلاء المستوطنين على أرض فلسطين المسلوبة وهذا ما حدث. وعليه لا بد أن يأخذ الجانب الفلسطيني هذه القضية بالجدية المطلوبة، وأن يجتذب دعم أنصار العدالة في الغرب، للمشاركة في طرح هذه القضية على أوسع نطاق وصولاً إلى المستوى القضائي (المحكمة الجنائية الدولية).
وإذا كان الحذر من الضغوط الترهيبية أمراً واجباً، فثمة محذور آخر ينبغي التنبه له، وهو احتمال تقديم رشىً سياسية، ونثر الوعود للسلطة بتحريك مسار التسوية، وتحذيرها من تخريب علاقاتها ببريطانيا والغرب! أو محاولة إحباط التحرك بالادعاء أنه لا طائل من ورائه. علماً أن مجرد طرح القضية بقوة سيحقق نتائج سياسية ومعنوية شديدة الأهمية، وذلك بالتأشير على أن الدولة العبرية هي ثمرة التحالف غير المقدس الذي نشأ بين الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية، وأنه ما كان ممكناً لتلك الدولة أن تقوم لولا الدعم السخي غير المشروع الذي وفّرته بريطانيا الانتدابية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"