هل تنضم واشنطن إلى منظمة «أوبك»؟

03:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي

تتحدث مراكز الدراسات الاقتصادية الأمريكية عن أن الرئيس الجمهوري دونالد ترامب أطلق يد الطاقة الأمريكية، وأنه في الولايات المتحدة، هناك العديد من الجمهوريين المتشككين في التغير المناخي. وبعضهم يرى جهود الحد من استخدام الفحم باعتبارها تدخلًا لا داعي له من جانب الحكومة في المصالح التجارية المشروعة. ويرى آخرون، ومن بينهم الرئيس ترامب، وظائف تعدين الفحم باعتبارها طريقة تقليدية للحياة - رمز على الكرامة الذكورية وحيوية المدن الصغيرة - ووعدوا بالمحافظة على هذه الوسيلة لكسب الرزق.
وأصدر ترامب أمراً تنفيذياً برفع الحدود المفروضة على انبعاثات الكربون من محطات الكهرباء. كما ألغى الأمر أيضاً حظر تأجير أراضٍ اتحادية لشركات استخراج الفحم، وبنفس المنطق أطلق يد شركات الغاز الصخري استمراراً لما يسمى ثورة الغاز الصخري والذي قد لا يؤدي إلى استقلالية السوق الأمريكي عن نفط الشرق الأوسط، ولكن يجعل من الولايات المتحدة بلداً مصدراً للطاقة، وتأثير هذه «الثورة» ليس فقط على سوق الطاقة العالمية، ولكن أيضاً الآثار الجيوسياسية؛ فمع تقدم الولايات المتحدة في تكنولوجيا الغاز الصخري وعدم إيلاء العوامل البيئية في الإنتاج الاهتمام اللازم، فإن هذا قلبَ أسواق النفط والغاز العالمية، وأفرز تداعيات جيوسياسية مهمة.
فإذا كانت القوى الغربية الكبرى خلال معظم القرن العشرين قد انخرطت في تهافت وصراع محمومين على النفط ومناطق استخراجه عبر العالم، فمما لا شك فيه أن المعادلة تتغير بعد أن ساعدت التكنولوجيا على إيجاد إمدادات مهمة من الطاقة في السوق الأمريكية. وهذا التحول الجيوسياسي سيكون مفيداً للولايات المتحدة، وتشدد تلك الدراسات على أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تستغل «ثورة الطاقة الجديدة» وتبني عليها بما يحقق لها الاستقلال التام في هذا المجال. وترى أن امتلاك إمدادات نفط وغاز داخلية لا يقوّي الاقتصاد الأمريكي فحسب، ولكنه أيضاً يمكن أن يوفر للولايات المتحدة نفوذاً عالمياً، إذ من شأنه على سبيل المثال أن يقلّص نفوذ روسيا على أوروبا، ويمكن أن يساعد على تقوية العلاقات الصينية الأمريكية.
وفي التاريخ الحديث، من النادر أن يتغير الوضع الاستراتيجي لبلد بمثل هذا الشكل الدراماتيكي وفي مثل هذه المدة القصيرة وتتحدث تلك الدراسات على التداعيات العالمية، حيث أسهم انخفاض أسعار الطاقة في استقرار أوروبا، وفي مساعدة اليابان على التعاطي مع تداعيات كارثة فوكوشيما النووية، كما سمح للصين بالتركيز على استراتيجية «طريق الحرير» الجديدة عبر أوراسيا بشكل أقوى وخفّف من تأثير تباطؤ نموها الاقتصادي، وحال دون تحول روسيا إلى قوة عظمى طاقية، وأضعف الآفاق الاقتصادية لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء الغنية بالطاقة. فوفرة الطاقة الجديدة هبة ونعمة بالنسبة للقوة الأمريكية، ومصدر إزعاج للقوة الروسية. بل تذهب إلى القول إن تقنيات الاستخراج الجديدة للنفط والغاز الصخري هي التي ساعدت أمريكا على الخروج من الركود الاقتصادي.
ولم تتأثر دول الخليج النفطية بشكل مباشر كون استيراد أمريكا منها يعتمد على نوعية نفطها الثقيل. كما أن تدني سعر النفط نسبياً سيساعدهم على منافسة النفط الأمريكي والكندي والأوروبي عالي الكلفة وإزاحته من السوق.
كما أن الولايات المتحدة، التي باتت تحقّق قدراً أكبر من الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، تجد لزاماً عليها أن تظل حاضرة ونشطة في الشرق الأوسط من أجل محاربة الإرهاب، ومقاومة انتشار الأسلحة النووية، ودعم حلفائها في المنطقة.
بينما تعد دولة قطر الخاسر الأكبر من ثورة الغاز الصخري الأمريكية لأنها لن تؤدي إلى تراجع واردات الغاز المسال فحسب بل إلغاء كل الطلبيات المتوقعة في العقود المقبلة للغاز القطري المسال. وبالفعل تم إيقاف العمل في محطات لاستيراد الغاز تملكهما قطر بالشراكة مع بعض الشركات العالمية، مع التوسع الأمريكي في تصدير الغاز المسال في مزاحمة الغاز الروسي في أوروبا، ومن أجل ذلك تتحدث بعض تلك البحوث على احتمالات انضمام أمريكا إلى منظمة أوبك للنفط لتقود مع حلفائها في المنظمة الدفة في التحكم وضبط أسعار النفط العالمي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"