هل تهدم واشنطن وهافانا آخر جدران الحرب الباردة؟

04:42 صباحا
قراءة 4 دقائق
د . غسان العزي
المصافحة بين الرئيسين الأمريكي أوباما والكوبي راؤول كاسترو، خلال مراسم تشييع نيلسون مانديلا، اعتبرها المراقبون تعبيراً عن رغبة متبادلة في فتح صفحة جديدة في العلاقات المقطوعة بين الولايات المتحدة وكوبا منذ بداية ستينات القرن المنصرم . وقد صدقت توقعات المراقبين عندما صدر عن الرئيسين المذكورين تصريحان منفصلان، في 16 ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، ينمان عن اتفاقهما على القيام بإجراءات عملية في اتجاه عودة العلاقات بين بلديهما . فقد اتفقا على أن تطلق واشنطن سراح ثلاثة عملاء كوبيين مسجونين لديها منذ العام ،1998 وفي المقابل تطلق هافانا سراح ألان غروس المعتقل لديها منذ العام ،2009 إضافة إلى إجراءات في اتجاه رفع الحصار الأمريكي عن كوبا والسماح بحرية تنقل الأشخاص بين الجانبين .
في تصريحه المذكور قال أوباما: "نحن جميعاً إسبان" مذكراً بما قاله يوماً، في العام ،1823 الرئيس مونرو متوجهاً إلى الأوروبيين: "أمريكا للأمريكيين" . وأوباما مقتنع بفشل الاستراتيجية الأمريكية حيال كوبا والتي اتبعها عشرة رؤساء منذ العام ،1962 التي تضمنت الحصار السياسي والاقتصادي ومحاولات اغتيال فيدل كاسترو التي بلغت ثلاثين محاولة فاشلة . لذلك فهو يعتقد بأنه ينبغي تغييرها في اتجاه إنهاء الحصار الاقتصادي الذي يمكن أن تكون له نتائج إيجابية لاسيما للرساميل الأمريكية - الشمالية التي يمكن لها عندئذ الاستثمار في كافة القطاعات كما جرت الأمور بعد تطبيع العلاقات مع فيتنام التي زارها الرئيس كلينتون في العام ،1994 مكرساً بذلك عهداً جديداً من العلاقات بين العدوين اللدودين السابقين .
لكن استراتيجية أوباما الجديدة من المؤكد بأنها ستصطدم بمعارضة الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون . فقد أعلن جيب بوش، شقيق الرئيس السابق بوش الذي سيخوض المعركة الرئاسية المقبلة، بأن "المستفيد من السياسة الجديدة حيال كوبا هم الأخوان كاسترو اللذان يمارسان القمع حيال الشعب الكوبي منذ عقود طويلة" . ومن جهته رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب جون بوهنر توجس من "تنازلات جديدة للدكتاتورية المفتقدة للمعنى التي تسيء معاملة شعبها . وسياسة أوباما الجديدة تآمر مع الأعداء" . أما سناتور فلوريدا ماركو روبيو، وهو من أصل كوبي، فتوعد بأن يعمل ما بوسعه لإعاقة سياسة الرئيس أوباما الكوبية الجديدة . أصوات كثيرة مشابهة صدرت من اللوبي الكوبي المناهض لكاسترو .
لكن استطلاعات الرأي تكشف تأييد الشعب الأمريكي للانفتاح على كوبا، وهذا يدعم موقف الرئيس أوباما وحزبه الديمقراطي الذي يؤيد مثل هذا الانفتاح . والأهم أن كل دول أمريكا اللاتينية تسير في هذا الاتجاه، وهو ما عبر عنه الامين العام لاتحاد دول أمريكا - الجنوبية ارنستو سامبر، كذلك الأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية جوزيه ميخيل انسولزا ورئيس باناما خوان كارلوس فاريلا الذي تستضيف بلاده القمة السابعة للدول الأمريكية في إبريل/ نيسان المقبل الذي أمل في أن يتحقق الحلم في توحيد القارة الأمريكية خلال هذه القمة . وكانت هافانا، التي سبق ورفضت حضور القمة السابقة في العام 2009 على الرغم من تلقيها دعوة رسمية، قد أكدت حضورها قمة باناما المقبلة . وبدوره أعلن الرئيس أوباما بأنه سيكون حاضراً في 10 و11 إبريل/ نيسان المقبل ليكون إلى جانب نظرائه من بقية القارة الأمريكية .
وهكذا يمكن القول إن الرئيس الأمريكي يملك أوراقاً قوية في مواجهة معارضيه في الملف الكوبي . وبالتالي يتوقف نجاح سياسته الجديدة حيال هافانا على عاملين أساسيين . الأول بألا يكون رد فعل اللوبي المعادي لكاسترو في الكونغرس أكثر من مجرد إطلاق نار في الهواء ينتج عنه في أحسن الأحوال قراراً رمزياً ضد الرئيس لا مفاعيل عملية له . فالكونغرس لا يستطيع الذهاب بعيداً ضد سياسة تحظى بموافقة شعبية ودولية عشية انتخابات رئاسية باشرها الرئيس بالتقرب من الجاليات الهسبانية في الولايات المتحدة التي تعد خمسين مليوناً . والعامل الثاني يتمثل في مدى قدرة الحكومة الكوبية على الشروع في إصلاحات اقتصادية وسياسية في اتجاه المزيد من الانفتاح والحريات والديمقراطية، مع إطلاق خمس وستين منشقاً معتقلاً لديها . في هذا الإطار لا تبدو الأمور مشجعة فقد صرح فيدل كاسترو بأن الشيوعية ستبقى النظام السائد في كوبا وبأنه لا يطلب من الولايات المتحدة تغيير نظامها السياسي لذلك يطلب منها احترام النظام الكوبي أيضاً . وقد جاء هذا الكلام رداً على توصيف أوباما للنظام الكوبي بأنه قمعي وسيتغير في نهاية المطاف .
لكن فيما يتخطى التصريحات ثمة حقائق موضوعية ضاغطة في اتجاه هدم آخر جدران الحرب الباردة بين هافانا وواشنطن . فانهيار أسعار النفط حرم كوبا من الحليف الفنزويلي الذي يؤمن لها نصف احتياجاتها من الطاقة بعد أن تسبب لها سقوط الاتحاد السوفييتي بنقص فادح في الوقود والكهرباء وغيرها فضلاً عن حماية قوة دولية عظمى . صحيح أن الرئيس نيكولاس مادورو ملتزم بسياسات سلفه هوغو شافيز لكنه لم يعد قادراً على تنفيذ التزاماته حيال كوبا بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها بلاده . وكوبا، التي تعاني صعوبات على كافة الصعد انسحب زعيمها التاريخي عن المسرح في العام ،2008 بسبب تقدمه في السن لمصلحة أخيه راوول المتقدم في السن هو الآخر، عليها الاستعداد لما بعد الأخوين كاسترو والاستفادة من فرصة وجود أوباما في البيت الأبيض ومن تأثير الفاتيكان الذي يدعو إلى إجراء المصالحة التاريخية .
على الأمريكيين من جهتهم أن يتفهموا بأن التحرر السياسي مسار طويل ولا يستطيع الأخوان كاسترو، بين عشية وضحاها، تغيير خطاب معاد للإمبريالية الأمريكية التف حوله الشعب الكوبي منذ عقود طويلة .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"