هل حان وقت القلق العربي؟

03:17 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق
الغضب العربي من الرئيس الأمريكي المتأهب للرحيل باراك أوباما له ما يبرره بسبب ما انتهجه من سياسات، وأحياناً لا سياسات، إزاء قضايا المنطقة. يترك أوباما منصبه خلال أيام ويترك معه شرق أوسط أسوأ كثيراً مما كان عليه حاله عندما تولى الحكم قبل ثماني سنوات. غير أن هذا لا يعني بالضرورة التفاؤل بمجيء خليفته الجمهوري دونالد ترامب أو الاحتفاء بفوزه لمجرد أنه ليس أوباما.
ما زال الوقت مبكراً للحكم على مواقف ترامب الرئيس وليس ترامب المرشح. ومن الخطأ القفز إلى نتائج بناء على تصريحاته الانتخابية التي يتراجع تدريجياً عن الكثير منها. ومع ذلك فإن المواطن العربي لا يمكنه مقاومة دوافع القلق عندما يطالع ما ينشر عن توجهات ومواقف بعض كبار مساعدي ترامب وبعض من اختارهم لمناصب مهمة في إدارته المقبلة. هذه المواقف قديمة وثابتة أي لا علاقة لها بالانتخابات.
لا يمكن تجاهل التأثير القوي على ترامب وقراراته من جانب سياسي مثل ستيف باتون كبير مستشاريه الاستراتيجيين المعروف بتوجهاته اليمينية المتشددة والذي رفض استبعاد فكرة تسجيل المسلمين في الولايات المتحدة.
ليس بوسعنا كذلك أن نغض الطرف عن مساعد آخر مهم وهو الجنرال المتقاعد مايكل فلين مستشار الأمن القومي القادم وسبق أن شبه الإسلام بالسرطان، واعتبر أنه ليس ديناً وإنما إيديولوجية سياسية تتخفى وراء ديانة.
ليس غريباً أن يكون أشخاص بمثل هذا التوجه موضعاً للحفاوة من اليمين «الإسرائيلي» المتطرف، وهو مبرر آخر يدعونا للقلق. ورغم أن المنظمات اليهودية الليبرالية في الولايات المتحدة سارعت بالتنديد باختيارات ترامب إلا أن الموقف يختلف تماماً في «إسرائيل».
وقد تبارى قادة اليمين «الإسرائيلي» في الإعراب عن ابتهاجهم أولاً بفوز ترامب ثم بعد ذلك باختياراته لمساعديه. وعلى سبيل المثال أعلن نتالي بينيت وزير التعليم وزعيم «حزب البيت اليهودي» الديني المتطرف عضو الائتلاف الحاكم، أن فوز ترامب يضع نهاية لعهد الدولة الفلسطينية. أما منافسه في التطرف افيغدور ليبرمان وزير الحرب فقد أعلن أن الوقت حان للتفاوض مع إدارة ترامب على التوسع الاستيطاني في الضفة لأن «إسرائيل» لم تبن ما يكفي هناك خلال رئاسة أوباما.
الابتهاج «الإسرائيلي» لم يكن مدفوعاً بمجرد أمنيات طيبة ولكن له أساس من الواقع أقوى وأهم من التصريحات العلنية والمواقف المعروفة لمساعدي ترامب. إذ توجد خطة مفصلة صادرة عن حملة ترامب بشأن فرص التسوية الفلسطينية تتجاوز في يمينيتها المواقف الليكودية المتصلبة نفسها لتصل إلى حد التطابق مع كل ما تطالب به الأحزاب الدينية المتطرفة في «إسرائيل».
صدرت هذه الخطة قبل ستة أيام بالضبط من الانتخابات الأمريكية ولم يعرها الإعلام العربي اهتماماً كافياً في زحمة وتتابع الأحداث. الخطة أعدها مستشارا ترامب لشؤون «إسرائيل» وهما جاسون دوف غرينبلات، وديفيد فيردمان، وتحوي نقاطاً بالغة الأهمية والخطورة في مقدمتها التراجع عن حل الدولتين والذي التزمت به الإدارات الأمريكية المتعاقبة طوال العقود الثلاثة الأخيرة.
تنص بنود الخطة على أن إقامة الدولة الفلسطينية مستحيل طالما أن الفلسطينيين غير راغبين في نبذ العنف وفي الاعتراف بحق «إسرائيل» في الوجود كدولة يهودية. تقول الخطة إن الفلسطينيين منقسمون بين السلطة في الضفة و«حماس» في غزة وبالتالي لا يوجد شعب موحد قادر على إدارة دولة جديدة. كما أن القادة الفلسطينيين بمن فيهم السلطة قوضوا أي فرصة للسلام مع «إسرائيل» بتنشئتهم أجيالاً تعلمت كراهية «إسرائيل» واليهود. أهم البنود الأخرى تؤكد أن الولايات المتحدة تدعم الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية للدولة اليهودية التي يعيش شعبها على هذه الأرض منذ 3500 سنة. وأن واشنطن ستعارض أي تدخل من الأمم المتحدة أو أوروبا أو أي طرف لفرض حلول على «إسرائيل». واعتبار المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة هي الإطار الوحيد المطروح للحل.
ولكن أين يقف ترامب نفسه من هذه التصورات؟ الخطة المعلنة تجيب قائلة «إن المواقف الواردة فيها قد تمت مناقشتها مسبقاً مع ترامب وحملته. وأن معظم تلك المواقف عبر عنها الرئيس المنتخب بنفسه سواء في لقاءات صحفية أو خطب علنية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
أليس من حق العرب بعد ذلك أن يشعروا بالقلق وهو أضعف الإيمان.
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"