هل ربحت “طالبان” حرب أفغانستان؟

02:27 صباحا
قراءة 4 دقائق

في نهاية العام المقبل سوف ينهي الائتلاف الغربي انسحابه من أفغانستان بعد أن يبقي فيها نحو عشرين ألف عسكري لتدريب الجيش الأفغاني والقيام بعمليات خاصة . وعلى عاتق هذا الجيش ستقع مواجهة عمليات حركة طالبان التي سوف تستمر وتحتدم على الأرجح . وسيضمن النظام الأفغاني نفسه عبر انتخابات رئاسية ستجري في العام المقبل ثم برلمانية في العام 2015 . هذه السيناريوهات الرسمية تصطدم بتوقعات المراقبين أن المرحلة الجديدة من الحرب الأفغانية ستبدأ مع انسحاب حلف الأطلسي وستشهد تقدماً واضحاً لطالبان وربما انتصارها في هذه الحرب .

وكان الرئيس أوباما قد أرسل 33 ألف عسكري أمريكي إضافي إلى أفغانستان في ديسمبر/ كانون الأول 2009 ليصل عدد القوات الغربية المتمركزة هناك إلى مئة ألف، لكن من دون جدوى . فحركة طالبان التي تشن حرب عصابات، عادت إلى المناطق التي شهدت أعنف المعارك لاسيما في الجنوب ولم تعد محاصرة في المناطق ذات الأغلبية الباشتونية بل أضحت في الشمال، حيث راحت تشكل تهديداً حقيقياً لمقاطعتين أو ثلاث على الأقل . وإذا كانت الغارات الأمريكية قد قتلت العديد من القادة والكوادر الطالبانية فأربكت الحركة لكنها لم تضعفها أو تمنع نموها وتقدمها .

من جهته لا يملك الجيش الأفغاني قدرة واسعة على الحركة مقارنة بقوات الأطلسي، فعدد قليل من وحداته بمقدورها العمل بمفردها، وهو ما قد يتوقف مع انسحاب حلف الأطلسي وتوقف الدعم الجوي وسحب كاسحات الألغام الأرضية . والقوات الأفغانية دفاعية ومعزولة في مناطق ريفية وعدد من مواقعها قد يستسلم لطالبان من دون مقاومة بعد الانسحاب الأطلسي .

أضف إلى ذلك أن عمليات الفرار المتكررة للجنود الأفغان تجعل من الضروري استمرار التجنيد والتدريب في صفوفه، وهذا ليس من السهولة بمكان بسبب صعوبة العثور على مجندين موثوقين من الناحية السياسية، في وقت تتعرض فيه القوات الحليفة لهجمات من بعض جنود الجيش النظامي نفسه . أما الشرطة العسكرية فيعصف بها الفساد وتنقصها العزيمة لذلك يراهن الجيش على الميليشيات المحلية لمواجهة حرب العصابات الطالبانية . ولكن هذه الميليشيات لم تحقق إلى الآن سوى نجاحات محلية جد محدودة وقاد عملها إلى فوضى استغلتها طالبان لدى السكان المحليين الذين تفرض عليهم الخوات والرسوم . ويعتمد الأمريكيون كثيراً على الطائرات من دون طيار لتصفية مسلحي القاعدة وطالبان على طرفي الحدود مع باكستان . هذه السياسة تتعرض لكثير من الانتقادات بسبب المدنيين الذين يقتلون بطريق الخطأ نتيجة الغارات الأمريكية وبسبب ارتباطها بالمعلومات التي تقدمها الاستخبارات الباكستانية غير الموثوقة . وسيكون الوضع أسوأ عندما سيترك الانسحاب الأطلسي مساحات واسعة من الأرض للحركة أمام قادة وكوادر القاعدة وطالبان .

من الناحية السياسية يعاني نظام قرضاي الوهن . فبعد انتخابات العام 2009 المطعون في صحتها بسبب الغش الذي رافقها، فشل في إصلاح المؤسسات ومنحها الحد الأدنى من المصداقية لدى السكان . فالنخب السياسية التي تعيش عائلاتها في الخارج، تبدو مترددة في مقاومة تمرد طالبان التي تمرست، طوال عشر سنوات ونيف من القتال الضاري، على مقاومة حلف الأطلسي بعظمته وقوته . وقد لا يكون ممكناً إجراء الانتخابات الرئاسية في إبريل/ نيسان من العام المقبل في معظم المناطق الريفية بسبب فقدان الأمن . وقد لا يترشح أحد بعد قرضاي الذي لا يسمح له الدستور بالترشح لولاية ثالثة .

إضافة إلى ذلك، فإن الانخفاض المتوقع للمساعدات المالية والاقتصادية الغربية سيكون له أبلغ الأثر في النفوذ الغربي في أفغانستان، وفي اقتصاد هذا البلد وعملية إعادة إعماره . لذلك يتوقع المراقبون أن يتقدم التمرد الطالباني على الحدود مع باكستان لينتشر في مساحات واسعة جداً . فمعظم الطرق الكبرى تقع تحت تهديد المتمردين الذين يسيطرون على مساحات ريفية واسعة، حيث ينضم إليهم المزيد من السكان في كل يوم، وهذا ما يقلل من احتمالات سيطرة الحكومة المركزية على البلد ويقود إلى أحد السيناريوهين:

- تتقدم طالبان تقدماً محدوداً في الشرق والجنوب، ويتمكن النظام، مؤقتاً على الأقل، من المحافظة على الوضع العسكري القائم . في هذه الحالة تبقى أفغانستان منقسمة ولسنوات مقبلة، مع تدخل للاعبين الإقليميين الأساسيين، مثل الهند وباكستان وإيران وروسيا، كل منهم يرعى جماعة أو حليفاً عسكرياً .

- ينهار النظام الأفغاني بسرعة نتيجة انقلاب عسكري أو بسبب سقوط جلال أباد وقاعدتها الجوية في الشرق، ما يجعل النظام عاجزاً عن الدفاع عن كابول . وقد لا يفتح دخول طالبان إلى العاصمة المجال أمام حرب أهلية طويلة لأن الشمال لا يمتلك الوسائل العسكرية التي تمكنه من مواجهة حركة راسخة الجذور على المستوى الوطني ومدعومة من باكستان . في مثل هذا السيناريو يتوقف المستقبل على قدرة اللاعبين الغربيين وطالبان على التوصل إلى اتفاق على مطالبهم المتبادلة: الاعتراف الدولي بنظام طالبان الذي بدوره يقدم الضمانات بعدم تحويل الأرض الأفغانية إلى منطلق للجماعات الجهادية . في حال نجاح الفترة الانتقالية أو التحول، فإن غنى الأرض الأفغانية بالمناجم والنفط يسمح للشركات الصينية والهندية والغربية بالاستثمار الواسع، ما يعوض تراجع المساعدات الغربية والتنافس الباكستاني - الهندي .

ومهما يكن من أمر، هناك دروس مستقاة من هذا الفشل الغربي . من ناحية لم يتمكن حلف الأطلسي من الانتصار في حرب غير نظامية، فلم يتم، أو تعذر، تطبيق النظريات المتعلقة بمواجهة حرب العصابات . ولم يتمكن الأوروبيون من العمل معاً ولم تسمح لهم قدراتهم العسكرية التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية، من العمل خارج حدودهم . من جهة أخرى فإن الجماعات الجهادية، لاسيما القاعدة، نجحت في رهانها القائم على دفع الولايات المتحدة إلى الوقوع في الفخ . وهذا درس ربما تتلقفه الجماعات الإسلامية خارج أفغانستان .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"