هل من أمل للمولود الكسيح؟

04:45 صباحا
قراءة 3 دقائق

عندما تلد الأم مولودها، فإن أول سؤال تطرحه هو إن كان مولودها طبيعياً وفي صحة جيدة. والعرب الذين شارك بعضهم في ولادة الاتحاد من أجل المتوسط يجب أن يطرحوا نفس السؤال ويعبروا عن نفس القلق الأمومي. ومع الأسف فإن الفحص المتأني يشير إلى وجود عاهات في المولود الجديد ترشحه لأن يشخص كمولود كسيح. دعنا نشخص بعضاً من تلك العاهات في هذا الجسم العجيب.

أولاً: لا نستطيع إلا أن نحاول قراءة النيات، والتاريخ يشير إلى أن هناك نية مغلفة بألف غلاف، والنية هي عبارة عن محاولة جديدة لتقسيم الأمة العربية الى محاور وتكتلات، حتى تبتعد شيئاً فشيئاً عن هدفها في تحقيق نوع من الوحدة العربية، وتاريخ العراب فرنسا يوحي بذلك.

فدور فرنسا في معاهدة سايس بيكو في بدايات القرن الماضي، والتي مزقت المشرق العربي، معروف ودورها في دعم المشروع الصهيوني لفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه معروف. وفي كتابه التفصيلي عن فرنسا والوحدة العربية 1945-2000 يصل الدكتور علي محافظة إلى خلاصة مؤداها أن فرنسا انتهجت خلال فترة الدراسة سياسة مناهضة للوحدة العربية وللتضامن العربي، وسعت إلى تفكيك النظام الإقليمي العربي بمختلف الأساليب والسبل، وكانت ترى في كل مشروع للاتحاد العربي، بدءاً من جامعة الدول العربية، خطراً على مصالحها، فهل حقاً أن قلب وضمير القادة الفرنسيين الجدد قد ابتعدا عن فكر وسياسة قرن كامل؟

ثانياً: إذا كانت أوروبا لم تستطع منع وجود تناقض، مفتعل في أكثر الأحيان، بين هويتها وهوية من هاجروا إليها من جنوب المتوسط واستقروا فيها كمواطنين، فهل حقاً انها ستستطيع التغلب في المستقبل على تناقضات الهوية والثقافة والسياسة والاقتصاد بين الشمال والجنوب المتوسطي؟ إن أوروبا تعتبر نفسها، منذ قرنين وإلى اليوم، مركز الكون بالنسبة لقيم الحداثة وهي، مع حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، تدفع دفعاً متواصلاً وعنيفاً نحو ثقافة غربية عولمية واحدة، فهل ستستطيع التعايش مع التعددية والاختلافات الكبرى؟ إن تاريخها الاستعماري عبر القرنين التاسع عشر والعشرين لا يوحي بأنها تستطيع، بل إن تعاملها الاستعلائي الحالي مع رغبة تركيا في الانضمام لأوروبا يجيب عن السؤال المطروح بالنفي. إن جدار العلمانية يصل إلى أعالي السماء وهو أعلى وأقوى من جدار برلين بكثير.

ثالثاً: لقد كتب وتحدث الكثيرون عن الألغام السياسية القابعة في أحشاء المولود الجديد. إن بركان المشروع الصهيوني الذي آمنت به أوروبا ورعته واعتبرته مقدساً، وتكلم عنه الرئيس الفرنسي بشاعرية صوفية، لن يهدأ إلا مؤقتاً لينفجر بعد حين. إنه بركان يغلي في عقول وقلوب الملايين من العرب والمسلمين. والابتسامات التي ظهرت على شفاه بعض القادة العرب نحو الصهاينة على شاشات التلفزيون الفرنسية لا تعبر إلا عن أصحابها. وهناك عشرات الألغام الأخرى التي يعرفها الجميع. فهل سيتمكن المنحازون ضد العرب والمسلمين من نزع مثل هذه الألغام من أحشاء المولود الجديد؟

رابعآً: ثم إن هناك حقائق واقعية مفصلية. فأوروبا متحدة تتكلم بلغة واحدة امام جنوب أوسطي متفرق، والمسافة في المستوى الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي بين الجنوب والشمال مسافة ضوئية، تجعل أي حديث عن ندية بين الطرفين نكتة سمجة، والرئاستان لمدة سنتين قادمتين تطرحان سؤالاً: إذا كانت مكانة أحدهما في الداخل تتراجع ومكانة الآخر قد دخلت القبر منذ زمن طويل، فهل باستطاعة مثل هكذا قيادة أن يكون لديها الوقت والجهد لقيادة المولود الجديد نحو العافية والنمو ليقف على رجله؟

لقد امتد الحوار العربي - الأوروبي من سنة 1973 إلى سنة 1983 من دون فائدة تذكر، ثم طرح مشروع الشراكة الأوروبية - المتوسطية ومات بحلول ،1995 بعدها جاءت اتفاقية برشلونة التي تحتضر منذ عشر سنوات لتجري محاولة إنعاشها من قبل أطباء الاتحاد من أجل المتوسط. السؤال: متى سيعرف عرب جنوب المتوسط أن خلاصهم يكمن في الأرض التي تمتد من الدار البيضاء إلى شواطئ الخليج العربي؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"