هل نحن مغفلون أم مستهدفون؟

03:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعزيز المقالح

منذ ثلاثين عاماً تقريباً، استحوذ عليّ سؤال أساسي. كان يومئذ من منظور ما يجري في الوطن العربي -على درجة من الأهمية - ويبدو أنه الآن، وبعد التطورات الأعنف والأقسى، أكثر أهمية والسؤال هو: هل نحن مستهدفون، أم مغفلون؟ وكنت كتبت - في ذلك الحين- مقالاً أرد فيه على السؤال المذكور، خلصت فيه إلى أننا مستهدفون ومغفلون في آن، ولو لم نكن نعاني حالات الغفول لما بقينا مستهدفين كل هذا الزمن الطويل، من أوائل القرن التاسع عشر حتى الآن، ولا يحتاج البشر في مكان ما من الأرض إلى مستوى من الوعي يدركون معه أن الشعوب الغافلة عن نفسها، وعن أهمية موقعها وثرواتها، هي التي يتم استهدافها، وتظل عرضة للطامعين يتداولون اللعب بها، كما تتداول الكرة أقدام اللاعبين.
واللافت في هذا المجال أن بعض الشعوب التي كانت مستهدَفة، وعت أسباب ضعفها فتحوّلت من مستهدفة - بفتح الدال - إلى مستهدفة - بكسر الدال - ولست في حاجة إلى ضرب أمثلة على ذلك، فهي معلومة، ولها نماذج في الشرق والغرب.
ولعل في مقدمة مشكلاتنا الأساسية - نحن العرب - أننا ننتمي إلى أمة نجح أعداؤها - في ظل الغفلة القومية - في تمزيق أوصالها، وتحويل أقطارها إلى جزر متنافرة وغافلة عن مصيرها المشترك، ولهذا كانت عرضة للاستهداف والانتقال من هيمنة إلى أخرى، وما كان لقوة على وجه المعمورة أن تستهدف أمة يتمتع أبناؤها بدرجة عالية من الوعي والإدراك بما تريده، وما يريده لها الآخرون، وهذا هو الفارق الأشد وضوحاً بيننا وبين بقية الشعوب التي قاومت الاستهداف، وباتت تعيش حريتها وسيادتها في منأى عن الهيمنة والنفوذ، ولا يزال في إمكان العرب - لو أرادوا - أن يكونوا مثل تلك الشعوب، وأن يخرجوا من دائرة الاستهداف التي طالت، وتوالدت، ولا ينقصهم شيء سوى الاستجابة الفورية لنداء العقل، وأن تتداركهم صحوة الضمير الوطني والقومي، والإحساس بضرورة البقاء.
لقد سئم المواطنون في هذا الجزء من الكرة الأرضية الانتظار لاستنشاق أنسام الحرية، والسيادة المتكاملة، والشعور بانحسار موجة الاستهداف، ولا يجهل عاقل، أو حتى جاهل، أن التمزقات العربية والخلافات التي وصلت بين بعض الأقطار حد اللا معقول قد شكّلت أهم العوامل الداعية إلى تزايد الأطماع التي لم تعد وقفاً على قوى الاحتلال القديم، بل فتحت شهية بعض من كانت شعوباً محتلة، وخاضعة للسيطرة والهيمنة الأجنبية، إلى أن تبحث لها عن نصيب من الغنيمة، وتدخل في قائمة من يستهدفون هذه الأمة الواقعة في قبضة التشتت والانقسام، والتي لم يدرك بعض قادتها حتى الآن، الحد الأدنى من التقارب الأخوي المطلوب والواجب، وهو ما تقتضيه ضرورة كل أمة مستهدفة، وفي مثل هذه الحال يمكن، بل يجب تجميد الخلافات الداخلية - وهي ثانوية وسطحية - والاتجاه نحو لملمة الصفوف، وتوحيد الجهود، وعندئذ تغدو الأمة العربية المستهدفة قوة مرهوبة وقادرة على حماية نفسها بنفسها، وحماية جيرانها أيضاً.
لقد طالت الغفلة، وطال معها زمن الاستهداف، وآن لنا بعد أن وصلت الخطورة إلى الذروة أن نصغي لصوت العقل، ونحاول الابتعاد عن ردود أفعال العواطف، وما ينتج عنها من مواقف سلبية تضاعف حساسيات الماضي القريب والبعيد، وتعمل على انقطاع المواطنين عن واقعهم، والنظر في إمكانية الخروج من الأزمات المتلاحقة. وفي مستطاع العقلاء في هذا الوطن العربي الكبير أن يردوا على السؤال الذي تقدمت الإشارة إليه في بداية هذا الحديث بالقول إننا «مستهدفون ومغفلون»، وحان الوقت لندرك هذه الحقيقة كخطوة أولى تمكننا من اختيار النهج الصحيح.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"