واشنطن المكبلة بعقدة العراق

04:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

من بين رسائل عديدة بعثت بها القمة الروسية التركية الأسبوع الماضي، واحدة تقول إن الولايات المتحدة أصبحت غائبة، وليست هي القوة المؤثرة ولا الفاعلة في مجريات الأحداث في سوريا. التقى الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان وتوصلا إلى ما بات يعرف باتفاق إدلب دون حاجة لمشورة أمريكا أو مشاركتها. وهي ليست المرة الأولى التي تقرر فيها الدولتان ومعهما إيران، أن أمريكا ليست طرفاً محورياً في المعادلة السورية، وأنه لا حاجة لوجودها عند اتخاذ القرارات المهمة.
قبل تلك القمة الثنائية وبالتحديد في السابع من سبتمبر الجاري، استقبل العالم رسالة بنفس المعنى خرجت من طهران التي استضافت قمة ثلاثية، جمعت الرئيس الإيراني بنظيريه الروسي والتركي في ثالث لقاء بينهم بشأن سوريا. ولم يعد ثمة شك أن أمريكا غائبة بالفعل عن الأزمة السورية، ليست هي من يقرر وليس بمقدورها منع القرارات.
السياسة الأمريكية تبدو بالفعل مشلولة فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة،
لا رؤية واضحة ولا إستراتيجية متماسكة ولا خطط قيد التنفيذ. ولكي نفهم لماذا وصلت أمريكا إلى هذا المستوى المعيب من التخبط؟، نعيد التذكير بأن التردد وعدم فاعلية السياسة الأمريكية تجاه الحرب السورية بدأ خلال حكم الرئيس السابق باراك أوباما. وقد اعتبر منتقدوه وحتى مؤيدوه، أن إحجامه عن الفعل انعكاس لتركيبته السياسية والشخصية، وأنه يعاني مما يمكن وصفه بعقدة العراق نسبة إلى عقدة فيتنام التي ظلت تصيب الأمريكيين بالرعب من التورط في نزاعات خارجية خوفاً من تكرار مهانة الهزيمة المذلة على نحو ما جرى في فيتنام.
كانت عقدة العراق أشد ما تكون وضوحاً في قرارات ومواقف أوباما، الذي اعتبر الانسحاب من العراق وأفغانستان هدفاً أساسياً له. غير أن أوباما ذهب وبقيت نفس السياسة المترددة الخائفة الرافضة للتورط في الأزمة السورية بعد مجيء الرئيس الحالي دونالد ترامب بشخصيته الحادة المغايرة تماماً لشخصية أوباما.
ورغم التباين الشاسع في تركيبة الرجلين وميولهما وتوجهاتهما ،اتبع ترامب نفس نهج أوباما بتجنب التورط في صراعات خارجية بما فيها سوريا، ما يوضح أن عقدة العراق باتت متجذرة في عمق الشخصية الأمريكية وليس بوسع صانعي السياسية هناك الفكاك من أسرها.
ويعتبر معارضو ترامب، أنه ذهب في انكماشه أكثر بكثير من أوباما بعد أن تراجع عن الدعم العسكري للمعارضة. ونتيجة هذه السياسة المرتبكة هي انتهاء الحرب فعلياً وخروج أمريكا خاسرة.
وبالعودة إلى عقدة العراق ، يمكن رصد ملاحظة بالغة الأهمية التقطها المحلل السياسي الأمريكي المعروف ستيفن كوك الباحث في مجلس العلاقات الخارجية، وهي أن الخسائر الإستراتيجية لأمريكا بسبب تدخلها العسكري في العراق، تماثل تماماً خسائرها الإستراتيجية لعدم تدخلها في سوريا.
الغزو الأمريكي للعراق في 2003، تسبب في زعزعة استقرار المنطقة، وتقوية موقف ووضع إيران الإقليمي، وتدمير علاقات أمريكا مع حلفائها الذين عارضوا الحرب، وتغذية العنف والإرهاب إقليمياً ودولياً.
نفس العواقب ترتبت على الإحجام عن التدخل في سوريا: زعزعة استقرار المنطقة، تسميم العلاقات مع الدول الحليفة التي ظلت تلح في طلب التدخل الأمريكي دون جدوى، دعم نفوذ إيران وانتشاره في سوريا كما انتشر في العراق من قبل، دعم الجماعات الإرهابية في المنطقة والعالم.
نتيجة أخرى أكثر مأساوية من كل ذلك ترتبت على التدخل في العراق وعدم التدخل في سوريا، لم يشر إليها الباحث الأمريكي، وهي سقوط ملايين الضحايا بين قتيل ومصاب ومشرد في البلدين، وتدميرهما بشكل شبه كامل.
خلاصة ما يذهب إليه كوك، هو أن السياسة الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط كله وليس في سوريا فقط مازالت ضبابية ومتذبذبة. وفي ظل الفوضى المسيطرة على المشهد السياسي في واشنطن، والأزمات التي تحاصر ترامب، وانقسام الكونجرس واستقطاباته الحادة ليس بوسع أمريكا انتهاج سياسة جديدة واضحة وقوية، وإلى أن تستعيد قدرتها ورؤيتها وصوابها ستظل إيران وروسيا تحصدان المكاسب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"