“عاصفة الحزم” تشق الطريق إلى حل سياسي

05:03 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي
من موسكو الى طهران على الخصوص تتردد دعوات إلى حل سياسي في اليمن . وهي صيغة اعتراضية والتفافية على "عاصفة الحزم" بمشاركة عشر دول عربية وتأييد عشرات الدول في العالم . الدعوة الى حل سياسي حسب الأدبيات الروسية والإيرانية تنطلق من "الحرص على حقن الدماء" والحاجة إلى الحوار ومشاركة الفرقاء اليمنيين في وضع مخارج لأزمة بلدهم .
هذه الدعوات هي من قبيل الحق الذي يراد به الباطل . فقبل "عاصفة الحزم" التي انطلقت فجر 19 مارس/آذار الماضي، ظلت القيادة الشرعية في اليمن تدعو الى الحوار ولم تلاق من الانقلابيين سوى التملص والمراوغة والتسويف، في وقت كان فيه هؤلاء يستبيحون البلاد ويسعون لتعزيز وضعهم العسكري، بالاستيلاء على المزيد من معسكرات الجيش وألويته وأسلحته ومطاراته . ولم يتوقفوا عند ذلك بل بدأوا زحفهم الى عدن للسيطرة العسكرية عليها، بعد أن أصبحت عاصمة مؤقتة للشرعية، بعد الاستيلاء على ميناء الحديدة . خلال تلك الفترة لم ترتفع في موسكو وطهران الدعوات إلى الحوار، إذ كان مجمل الخطاب السياسي في موسكو وطهران يقوم على دعوة اليمنيين للتعامل مع الأمر الواقع الانقلابي، والقبول بقيادة عسكرية وسياسية للحوثيين تشرف على حكومة ائتلافية شكلية، أو حكومة وحدة وطنية مزعومة . وفي وقت نشطت فيه زيارات الانقلابيين الى طهران، الذين قوبلوا هناك بالترحيب الحار وبإعلان الاستعداد لدعمهم بمختلف الوسائل .
وإذ تثار هذه الأيام حملة نفاق ضد استخدام القوة العسكرية لحسم الوضع الشاذ في اليمن، فإن القاصي والداني يعرف أن الطرف الوحيد الذي احتكم الى السلاح ، ولجأ الى السطوة المسلحة هم الحوثيون، الذين لم يتوانوا عن استباحة الحرمات واستباحة البيوت وقتل المتظاهرين واختطاف زعماء سياسيين واجتماعيين وقمع الرأي الآخر، تمهيداً لإقامة نظام شمولي أحادي . وقد ظلت تلك الممارسات الشائنة بمنأى عن النقد من طرف طهران وموسكو . وهي ممارسات قوّضت العملية السياسية في البلاد وفتحت الباب أمام مختلف أشكال العنف، وأنذرت بنشوء وضع يتراوح بين نظام قمعي هجين قيد الإنشاء آنذاك، وبين فوضى مسلحة . إلى أن أخذ زعيم الانقلابيين بوحي من مرجعيته في الخارج يطلق تهديدات مبطنة ثم شبه علنية ضد دول الجوار، واتبعوا ذلك باجراء مناورات بأسلحة ثقيلة قرب الحدود السعودية، بل باشروا مناوشات متقطعة استهدفت الجانب السعودي . . . كل ذلك قبل أن يستتب لهم الأمر نهائياً، فماذا كان سيكون عليه الوضع لو قيّض للانقلاب الإجهاز على الشرعية وتكريس سطوته على البلاد والعباد؟
منذ عامين على الأقل كانت الأبواب مفتوحة للحل السياسي في اليمن، وجرى حوار وطني شارك فيه الحوثيون، وانتهى ذلك الحوار بالدعوة إلى تسليم الأسلحة الثقيلة للسلطات، لكن الانقلابيين رفضوا ذلك واستغلوا أجواء الحوار ستاراً لاستكمال حلقات مخططهم بالاستيلاء على السلطة وقضمها تدريجياً، وذلك من وراء ظهر الشعب اليمني وبالضد من إرادته، وبالتعاكس مع مخرجات الحوار الوطني، وكذلك على الضد مما آلت اليه الثورة اليمنية، إذ تم التحالف مع الرئيس السابق الذي أخرجته ثورة فبراير 2012 من السلطة . وليس هناك ما هو أدعى للسخرية وأكثر اشتمالاً على الخداع من الزعم بأن الحوثيين قادوا ثورة! فواقع الأمر أنهم انقضّوا على مسار ثورة الشعب اليمني وعلى العملية السياسية التي دشّنتها هذه الثورة، وكان من المنطقي أن يجدوا في الرئيس المخلوع حليفهم الطبيعي والوحيد!
والآن فإن الذين يزعمون الحرص على حل سياسي يحفظ الدماء، فإنهم لا يتوانون عن التمويه على مقاصدهم الفعلية، ففي وقت يتم فيه الادعاء بالحاجة إلى إجراء حوار بين سائر الأطراف اليمنية، فإنه يتم القفز عن الوضع الشاذ الذي يهدد فيه الانقلابيون الشرعية، بل أن هؤلاء المتشدقين بالحل السياسي يكادون ينكرون الشرعية القائمة في اليمن، بما يبين أن الهدف لهذه الدعوات يكاد يقتصر على تمكين الانقلابيين من النجاة، ومنحهم فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة تجميع صفوفهم وحشد قواتهم، من أجل إعادة عقارب الساعة الى الوراء الى ما قبل 19 مارس/آذار الماضي تحت غطاء تنظيم حوار والشروع فيه . وهي الخدعة نفسها التي لجأ اليها الانقلابيون على مدار العامين الماضيين حين كانوا يرسلون من يمثلهم إلى جلسات الحوار، فيما هم يستولون على صعدة، ومن ثم عمران والاستعداد لاقتحام العاصمة .
إن المدخل الوحيد للحل السياسي هو الالتزام بالشرعية برئاسة عبدربه منصور هادي، وتسليم المعسكرات والأسلحة وكافة أملاك الدولة المنهوبة، وعودة الحكومة برئاسة خالد بحاح واستئناف مجلس النواب المنتخب أنشطته في تمثيل الشعب، ثم الشروع بعدئذ في حوار سياسي على قاعدة نبذ الاحتكام إلى العنف أو التهديد باللجوء إليه، وفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد . وهذه على أي حال الرسالة السياسية التي تنطوي عليها "عاصفة الحزم"، وهو ما جعل هذا الإجراء العسكري الاضطراري موضع ترحيب من اليمنيين الذين أخذت أصواتهم ترتفع ضد الانقلاب ومن يقودونه، بعد أن ارتفعت عنهم جزئياً السطوة المسلحة للانقلابيين .
إن "عاصفة الحزم" هي أفضل إجراء أملته الظروف الاستثنائية، من أجل شق الطريق نحو حل سياسي لا محل فيه لغطرسة الانقلابيين وتغليب فئة على فئة، ولا فرصة فيه لافتئاتهم على الإرادة الحرة لملايين اليمنيين .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"