«إسرائيل».. سيف الإعدام

03:18 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

أمر رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو بتسهيل تمرير مشروع قانون إعدام الفدائيين الفلسطينيين الذي يقف خلفه زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان. وجاء هذا التسهيل في ظل الرغبة في مسايرة أحزاب اليمين، خصوصاً «البيت اليهودي» وزعيمه نفتالي بينت، التي ترى في إقرار هذا القانون وأشباهه تأكيداً للجبروت وقدرة على فرض وقائع. ومعروف أن أغلبية النخبة السياسية والأمنية والثقافية في الكيان ترفض إقرار مثل هذا القانون وتراه ضاراً بصورة الدولة العبرية ومصالحها.
تشهد المعطيات على أن النقاش حول فرض عقوبة الإعدام للفدائيين الفلسطينيين أثير مرات ومرات على مدى العقود الماضية. ووصل هذا النقاش إلى جلسات اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في حكومة نتنياهو الحالية في مايو 2016. وتعمق هذا النقاش بعد أن أعلن الأخير مراراً تأييده فرض عقوبة الإعدام على فدائيين فلسطينيين في حالات خاصة. وتختلط بمشروع القانون الحالي أفكار مختلفة سبق أن أثيرت بينها إعدام من يقترف جريمة قتل أطفال يهود أو حصر سريان القانون في الأراضي المحتلة.
ولا بد من الإشارة إلى أن مشروع القانون كان بين شروط دخول حزب «إسرائيل بيتنا» إلى حكومة نتنياهو القائمة. كما أن عرض مثل هذا المشروع كان ولايزال إحدى بوابات مخاطبة الغرائز في المجتمع اليهودي خصوصاً عند اقتراب موعد الانتخابات العامة أو بعد وقوع عمليات فدائية فلسطينية مؤثرة. وواضح أن حزب «إسرائيل بيتنا» تقدم بمشروع القانون هذا مطلع العام الجاري وجرت مناقشته أولاً في اللجنة الوزارية لشؤون التشريع حيث تعرض للماطلة قبل أن يتلقى الضوء الأخضر من نتنياهو لعرضه هذا الأسبوع على الكنيست. وكان حزب «إسرائيل بيتنا» قد اتهم «البيت اليهودي» بعرقلة مشروع القانون في لجنة الدستور في الكنيست لمنع إقراره بالقراءة الأولى. وهذا ما رفضه البيت اليهودي معلناً تأييده ليس فقط لهذا القانون وإنما أيضاً لقانون طرد عائلات الفدائيين الفلسطينيين من الضفة إلى القطاع. ويبدو أن التنافس بين قوى اليمين المتطرف في الكيان، وخصوصاً بعد عملية مستوطنة «بركان» الشهر الفائت، وتزايد الحديث عن انتخابات مبكرة سرع من النشاطات لإقراره.
وهذه ليست المرة الأولى التي تطرح فيها مسألة إعدام الفدائيين الفلسطينيين. وكثيراً ما أطلق مسؤولون يهود تصريحات تؤيد إقرار مثل هذا القانون لكن حتى الآن لم يتم تسهيل إقراره. ولكن تزايد التأييد لإقرار قوانين متطرفة مثل «قانون القومية» يدفع كثيرين للاعتقاد بإمكانية تمرير هذا القانون أيضاً. غير أن هؤلاء يصطدمون بموقف متزايد الحدة ضد هكذا قانون انطلاقاً من قناعة بأن لا مصلحة للكيان في ذلك خصوصاً أن أغلب منفذي العمليات من الفلسطينيين يعملون وفق مبدأ استشهادي. وهذا يجعل التبرير المركزي لاستخدام الإعدام كقانون رادع عديم الجدوى. وما يزيد الطين بلة في نظر البعض هو أن الغرض الإعلامي من وراء عرض مشروع القانون واضح لأن بوسع أفيغدور ليبرمان، كوزير للحرب مسؤول عن المحاكم العسكرية، إدخال تعديل في قوانين الطوارئ وإفساح المجال لفرض عقوبة الإعدام فيها.
فقانون القضاء العسكري المعمول به من جانب سلطات الاحتلال في الضفة الغربية يحتوي على عقوبة الإعدام. غير أن الحكومة الصهيونية طلبت عدم استخدامه لأسباب مختلفة واشترطت إقراره بإجماع هيئة محكمة مركبة على الأقل من ثلاثة قضاة خاضعة للاستئناف. وهذا ما جعل العقوبة غير قائمة فعلياً خصوصاً أن عقوبة الإعدام غير معمول بها في الكيان ولم تستخدم إلا مرة واحدة ضد القيادي النازي أدولف أيخمان. ولذلك هناك من يرى أن كل ما هو مطلوب ليس تشريعاً جديداً وإنما قرار حكومي بتعليمات جديدة. ولكن إلى جانب هؤلاء هناك من يرى أن دوافع مشروع القانون حزبية ضيقة لأن الكيان ليس بحاجة لهذا القانون في ظل التعليمات المعطاة للجنود بشأن منفذي العمليات وقتلهم. فالقتل خارج القانون صار سياسة علنية للحكومة «الإسرائيلية» التي أقرت ومارست مئات الاغتيالات داخل الأراضي المحتلة وخارجها.
ولكن هناك من يعترض على مشروع القانون أصلاً لأنه انتقائي وهو موجه بشكل فاضح ضد العرب وليس موجهاً ضد مقترف فعل بغض النظر عن دينه. وقد أثبتت المحاكم «الإسرائيلية» على مدى السنين أنه حينما يتعلق الأمر بإرهابي يهودي فإن الأحكام ضده تكون مخففة كما أنها لا تتضمن عقوبات لمحيطه مثل هدم بيت الأسرة. ومن المؤكد أن إقرار قانون إعدام الفدائيين يظهر التمييز ضد العرب بشكل أشد وضوحاً ويبين أنه موضوع فقط ضدهم وهذا يثبت الطابع العنصري للدولة العبرية.
غير أن أبرز المعارضين لهذا القانون في الوقت الراهن هم ساسة ورجال أمن. ولا يخفي قادة الأمن في «إسرائيل» منذ زمن طويل معارضتهم لهذا الأسلوب معتبرين أنه غير مجد ولا يفيد الدولة العبرية. ويرون أن الردع كتبرير لفرض هذه العقوبة لا يمكن تحقيقه في واقع الصراع القائم مع الفلسطينيين. وكان آخر من تحدث بهذا المنطق أمام جلسات الكنيست رئيس الشاباك نداف أرغمان الذي رأى أن عقوبة الإعدام «يمكنها أن تزيد الوضع توتيراً». ونقلت وسائل الإعلام عن قادة الشاباك قولهم إنهم يخشون أن يقود فرض هذه العقوبة إلى توفير حوافز جديدة للفلسطينيين للانتقام واختطاف «إسرائيليين» لمنع تنفيذ أحكام إعدام لن تنفذ إلا بعد شهور من واقعة الاعتقال.
وواضح أن رجال السياسة ينطلقون في مواقفهم من زوايا يختلط فيها الجانب المبدئي بالجانب المصلحي. ويؤمن بعض رجال السياسة في الكيان، وبينهم أعضاء في أحزاب يمينية مثل الليكود، أن الغاية من عرض مشروع قانون الإعدام ليس سوى تحقيق مكاسب لحزبي «إسرائيل بيتنا» و«البيت اليهودي». ولذلك أعلن وزير الطاقة الليكودي يوفال شتاينتس معارضته لمشروع القانون قائلاً في مقابلة تلفزيونية «إننا لن ننفذ حكم الإعدام بأحد، فكل ما يجري ألاعيب سياسية. إذ إن الشاباك ومجلس الأمن القومي والمستشار القضائي للحكومة يجمعون على أن تشريع إعدام المخربين حالياً يلحق الضرر بصورة «إسرائيل»». وأشار إلى أن «قانون الإعدام لن يقر طالما لم تجر بشأنه مناقشات في المجلس الوزاري الأمني المصغر».
ورغم شدة الاعتراض الداخلي على مشروع قانون إعدام الفدائيين الفلسطينيين فليس مستبعداً تماماً أن يقر هذا القانون. فهيمنة اليمين الفاشي على الكنيست والحياة العامة في «إسرائيل» سمحت بإقرار قوانين وقفت ضدها جهات كثيرة بينها المؤسسة الأمنية. ومثل هذه القوانين تشبع نهم القوى الأشد تطرفاً في «إسرائيل» وتظهرها بمظهر القامع القوي لتطلعات الشعب الفلسطيني. ولكن، من الجانب الفلسطيني لا يضير قانون الإعدام في شيء خصوصا وأن تنفيذ الإعدامات فعليا يجري على نطاق واسع. تشهد على ذلك مسيرة العودة التي شهدت خلال ستة شهور إعدام ما لا يقل عن 200 ناشط فلسطيني بينهم أطفال ونساء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"