«السيادي» السوداني.. تحديات وأزمات

05:23 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أميرة محمد عبد الحليم


بعد مفاوضات مضنية، شهدت العديد من التجاذبات والانشقاقات، تمكنت قوى الثورة في السودان- خلال الأيام القليلة الماضية- من التوقيع على الوثيقة الدستورية مع المجلس العسكري الانتقالي، لهيكلة المرحلة الانتقالية بتكوين مجلس سيادي يتولى شؤون الحكم في البلاد خلال المرحلة الانتقالية، التي تستمر لما يقرب من ثلاث سنوات، وأدى عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني الجديد، اليمين الدستورية في الـ21 من أغسطس، وعقد مجلس السيادة في السودان أول اجتماع له في القصر الجمهوري بالخرطوم، بعد أداء رئيس المجلس الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ومعظم أعضائه القسم لتولي مهامهم بشكل رسمي.
على الرغم من حالة التفاؤل والابتهاج التي عمت جميع أرجاء السودان بعد توقيع الإعلان الدستوري، فإن هذا التوقيع لا يمثل سوى بداية لعهد جديد تشهده السودان، وهذا العهد لا يخلو من التحديات والأزمات. فالشعب السوداني يتملكه العديد من التطلعات والآمال التي تتعلق بالقضاء على كل الأزمات التي عاشها نتيجة لهيمنة نظام عمر البشير، على الحكم لأكثر من ثلاثين عاماً، في الوقت الذي تنتظر القوى السياسية المختلفة في السودان، وفي مقدمتها القوى الثورية، الكثير من التحديات التي تتطلب المزيد من التفكير والتخطيط حتى يتمكن السودان من عبور هذه المرحلة الخطيرة نحو الاستقرار والديمقراطية.

دمج الجماعات المسلحة

ومن أهم التحديات التي تنتظر القيادة الجديدة للسودان التحديات الأمنية والسياسية، فوجود جماعات لا تزال تحمل السلاح في مواجهة النظام، يمثل عقبة رئيسية أمام الاستقرار؛ إذ لم تشارك الجماعات المسلحة في توقيع الإعلان الدستوري، على الرغم من مشاركة بعضها في المسيرات الاحتجاجية.
واتجاه قوى إعلان الحرية والتغيير، وهي القوى الرئيسية في الثورة والمفاوض الرئيسي مع المجلس العسكري الانتقالي، إلى عقد اجتماعات مع أعضاء من الجبهة الثورية التي تضم طيفاً من الجماعات المسلحة بعضها في أديس أبابا وبعضها الآخر في القاهرة، ولا تزال هذه الجماعات تنتظر إدماجها ضمن هياكل الحكومة الانتقالية الجديدة، كما يعلن بعض قادتها رفضهم الإعلان الدستوري، لأنه لا يمثل جميع أطياف الشعب السوداني، وبذلك يظل عدم إدماج هذه الجماعات ضمن منظومة الحكم الجديدة مشكلة كبيرة بالنسبة للمجلس السيادي ورئيس الوزراء الجديد عبد الله حمدوك.
ويبرز التحدي الآخر في الأزمة الاقتصادية الخطرة التي يعيشها السودان، فقد اندلعت الاحتجاجات في ديسمبر الماضي، على أثر ارتفاع الكبير للأسعار الذي شهدته البلاد؛ حيث كان يعكس هذا الارتفاع في الأسعار أبعاد الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السودان منذ انفصال جنوب السودان في 2011، وذهابه بنحو 75% من إنتاج النفط، ما أدى إلى ارتفاع متسارع للتضخم، وتراجع مريع لسعر صرف العملة الوطنية (الجنيه).
وبعد نجاح القوى الثورية في إطاحة نظام البشير، فلن يعود المواطنون السودانيون إلى حالتهم السابقة من الترقب والصبر على الأوضاع الاقتصادية المتردية، وهذا يتطلب مناقشات سريعة لمعالجة المشكلات الاقتصادية، خاصة ارتفاع أسعار السلع الرئيسية وأجور العاملين في القطاع العام ، وكذلك مشكلة الثروات التي ينعم بها السودان ولا يتم استغلالها على النحو الأمثل، أو تم سرقة بعضها في عهد النظام السابق، وفي مقدمة هذه الثروات التربة الزراعية الخصبة، التي تميز السودان عن غيره من كل دول العالم، إضافة إلى الثروات المعدنية ومنها الذهب؛ حيث ينتج السودان سنوياً مئة طن من الذهب، لكن ما يتم تصديره هو ما يقرب من 6 أطنان فقط، فأين يذهب باقي الكمية؟
أما التحدي الثالث، فيرتبط بضرورة تطوير السودان علاقاته الخارجية؛ بحيث تعكس مصالحه الحقيقية، بعيداً عن سياسة المحاور التي استنزفت الكثير من قدراته، على أن يعمل السودان على تفعيل دوره الإقليمي- سواء العربي أو الإفريقي- والترابط مع التجمعات الاقتصادية الإقليمية، بما يتيح له فرصاً اقتصادية لاستثمار ثرواته الكبيرة التي تم تجاهلها في إطار تراجع العلاقات السياسية مع بعض الدول.

دولة محورية

وعلى المستوى الدولي، يحتاج السودان إلى دعم علاقاته مع القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تضع السودان ضمن الدول المحورية في إطار سياساتها الخارجية في إفريقيا، وفي هذا الإطار يجب أن تعمل الحكومة السودانية الجديدة على حث الولايات المتحدة على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، كما تتجه أنظار العديد من القوى الدولية نحو السودان، خاصة الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.
ولذلك تتطلب المرحلة الانتقالية تقديم تصور مدروس بعناية عن توجهات السودان الخارجية خلال المرحلة الانتقالية، وأدوات تنفيذ هذه التوجهات، على أن تكون هذه التوجهات مدرجة بصورة موضوعية بعيداً عن التأثيرات الأيديولوجية.

العبور إلى الديمقراطية

وفي الأخير لا بد من التأكيد أن العبور إلى الحكم الديمقراطي- في ظل الظروف التي يعيشها السودان- يواجه العديد من التحديات التي قد يظهر بعضها بصورة مفاجئة وغير متوقعة، فمعالجة أزمات ثلاثة عقود من الحكم، تتطلب الكثير من التخطيط والإرادة، وكذلك التنازلات؛ حيث لا تتسع هذه المرحلة لمزيد من الانقسامات أو الاختلافات بين القوى السياسية، فيجب على هذه القوى أن تترفع عن اختلافاتها الثانوية في سبيل الوصول إلى الدولة الوطنية المنشودة في السودان، وفي سبيل تحقيق حياة كريمة للمواطن السوداني.
كما يجب أن تسعى القوى السياسية إلى قبول مشاركة أطياف المجتمع السوداني كافة في الحكم، وكذلك المجموعات المسلحة، حتى تنتهي الحروب والصراعات الداخلية، التي يعيشها السودان منذ سنوات بعيدة، وهذا الأمر يحتاج إلى دعم الدول الإقليمية، وكذلك المنظمات للاستقرار في السودان، لأن المرحلة الانتقالية تنطوي على العديد من العقبات التي تهدد الاستقرار.
كما يحتاج السودان إلى مزيد من الدعم الدولي للاستقرار والتحول الديمقراطي فيه، فهو يتطلع إلى فهم حقيقي لطبيعة المرحلة الحرجة التي يمر بها، وعدم استغلال أي طرف خارجي للأزمات التي تهدد هذه المرحلة وتقف عائقاً أمام تحقيق مصالحه، وكذلك يحتاج إلى دعم المنظمات الدولية لتقديم المساعدات والدعم الفني والاستشارات في المجالات التنموية المتعددة، وهذا الدعم يتطلب حرصاً من القوى الدولية على تحقيق الديمقراطية والاستقرار في السودان.

* خبيرة الشؤون الإفريقية مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"