«بريكست».. كابوس يطارد الجميع

05:02 صباحا
قراءة 5 دقائق
بهاء محمود *

ثمة مقولة سائدة في بريطانيا مفادها «أن السياسيين يعرفون ما كانوا يفعلونه، لكنهم مهتمون أكثر بمناصبهم السياسية بدلاً من نجاح المفاوضات». فحين كانت تريزا ماي متمسكة بمنصبها، كان بوريس جونسون يستخدم ورقة بريكست للوصول لرئاسة الوزراء، فالرجل الذي عارض اتفاق تريزا ماي كثيراً، التف حوله وعدل فقط في نقطة شبكة الأمان. فما جدوى رحيل تريزا ماي إذن؟
ببساطة هو الصراع السياسي الحاكم في المشهد البريطاني. فإذا كان ذلك الوضع في الحزب الحاكم، فمبرر جداً موقف أحزاب المعارضة، فالبرلمان الذي رفض اتفاق تريزا ماي، أجبر جونسون على تأجيل بريكست، وجمّد اتفاقه الذي أصبح رهينة الانتخابات القادمة. وعلى خلفية المقايضة السياسية وبعد أن اطمأن البرلمان لضعف موقف جونسون وافق على الانتخابات المبكرة.
من هنا رأت الحكومة البريطانية أن لا مخرج لها سوى صناديق الاقتراع في 12 ديسمبر القادم. كي تحقق عدة مكاسب أولها الفوز بأغلبية برلمانية تفك اشتباك بريكست بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من المتاهة. ثانياً يتمكن جونسون من البقاء رئيساً للوزراء في ظل احتمالية أن يصبح أقصر رئيس وزراء مكث في الحكم.
اعتمد جونسون في دعوته للانتخابات على نوعين من المؤشرات، الأول ارتبط بقدرته على تحقيق اتفاق يراه جديداً، وتراه قوى معارضة كثيرة بالمخيب. المؤشر الثاني يستند إلى استطلاعات رأي تقول إن المحافظين في موقف جيد إذا أجريت انتخابات عامة حالياً. المعارضة من جهتها وعلى رأسها زعيم العمال منذ تحسن مكانته في انتخابات 2017، وهو دائماً يطالب بسحب الثقة من المحافظين وعقد انتخابات مبكرة وذلك رغم ترتيبه في استطلاعات الرأي يأتي خلف المحافظين.

«بريكست مع صفقة منظمة»

يدخل جونسون الانتخابات لا يحمل معه سوى شعار «بريكست مع صفقة منظمة». جلي أن فترة توليه لا يتحمل فيها مسؤولية الوضع الاقتصادي الحالي، لكنه أيضاً لا يعرف عنه امتلاكه خطة حقيقية لمواجهة الأزمات الاقتصادية المحتملة. فالرجل لطالما ضرب بعرض الحائط بكل الدراسات التي تحذر من أضرار بريكست. مثله مثل كل الشعبويين الذين تشغلهم القومية عن أي شيء آخر. فرفيق جونسون في حملة بريكست زعيم حزب الاستقلال سابقاً والزعيم الحالي لحزب بريكست «نايجل فاراج» لا يزال يتمسك برأيه من ضرورة الخروج بدون اتفاق. رافضاً تماماً الاقتناع بأن هناك خسائر لبريكست من الأساس. فبالنسبة لشعار حزب بريكست الذي اختزل في عنوان «بريكست نظيف» لا يحمل برنامجاً لحل أزمات بريطانيا بقدر ما هو يخاطب نزعة قومية. منطقياً إن هذا الشعار كان يناسب جونسون في 2016، لكن الرجل حين وضع على كرسي الحكم تخلى عن كثير من الشعارات وبحث عما يزيد فرص بقائه. إذن الرؤية غير متطابقة فأي تحالف منطقي هنا؟ الإجابة جاءت واضحة من فاراج الذي هدد في حالة لم يتخل جونسون عن اتفاق بريكست سوف ينافس فاراج على 600 مقعد برلماني، بصرف النظر عن فرصه الحقيقية في تلك المقاعد.
نظرياً لا يعد نايجل فاراج رجل دولة يمكن أن ينظر له المواطنون بثقة ليقود حكومة، فالرجل حين تصدر المشهد في انتخابات البرلمان الأوروبي في 2014، وقاد حزب الاستقلال ليكون الحزب الأول الممثل لبريطانيا آنذاك. سرعان ما نال هزيمة ساحقة هو وحزبه في الانتخابات البرلمانية البريطانية في 2015 وحصل فقط على مقعد يتيم، خسره هو الآخر في الانتخابات المبكرة عام 2017. ليتوارى في الظل فترة بعد تفكك مفاصل حزبه. ثم يعود للمشهد بحزب جديد سماه «بريكست»، كي يقود من وجهة نظره حملة الخروج الثانية من الاتحاد الأوروبي، لا سيما أن تريزا ماي- بحسب رأي فاراج- تقاعست عن ذلك. صحيح أن حزب بريكست فاز مرة أخرى في البرلمان الأوروبي هذا العام، لكن استطلاعات الرأي أيضاً لا تمنحه أكثر من 50 مقعداً على أقصى تقدير. الرسالة هنا- التي لا يريد فهمها فاراج- أنه غير مرغوب به زعيماً لبريطانيا ولا يصلح إلا ليكون صوتاً شعبوياً أجوف في برلمان لا يصنع شيئاً في بروكسل.

دور حزب العمال

في المقابل ينشط زعيم العمال مستغلاً فشل حكومات المحافظين بصفة عامة في تحقيق شيء ملموس في أي الملفات، سواء على المستوى الاقتصادي أو حتى فك شفرات بريكست، التي أيضاً لحزب العمال دور في بقائها صلبة هكذا. فيما يحدد الحزب برنامجه في عدة مسارات أولها إعادة التفاوض مع الأوروبيين مرة أخرى، بما يعني أن اتفاق جونسون مرفوض جملة وتفصيلاً. مع التعهد بعقد استفتاء ثان على بريكست لكن بآلية مختلفة. يختار المواطنون بين خيارين، إما البقاء في الاتحاد الأوروبي وإلغاء بريكست نهائياً أو الخروج باتفاق يتفاوض عليه العمال فيما بعد. استراتيجية الحزب هنا تخاطب فئتين من الموطنين لا ثالث لهما، وهما الذين صوتوا ضد بريكست في 2016، والذين تراجعوا عن دعم بريكست وانضموا للفئة الأولى.
خارج نطاق مسار بريكست يركز العمال على قضايا جوهرية أخرى، منها الفقر والعدالة الاجتماعية وزيادة الإنفاق العام، وكلها مسائل لها قطاع عريض من المواطنين يهتم بها. مع الأخذ في الحسبان التخوف من النظرة الماركسية التي تغلب على خطابات زعيم العمال جيرمي كوربن من أفكار تأميم السكك الحديد، وضم المدارس الخاصة للعامة، وهكذا من أفكار قد لا تلقى قبولاً عند بعض الفئات كالمستثمرون ورجال الأعمال.

سيناريوهات ومفاجآت

على الجانب الآخر المؤيد للاتحاد الأوروبي، يقف كل من الحزب الوطني الاسكتلندي والليبرالي الحر. فبالنسبة للوطني الاسكتلندي يخشى الخروج من الاتحاد الأوروبي ويطمح في زيادة مقاعده التي خسرها في 2017، لتتخطى 50 مقعداً. فيما يضع في حسبانه عقد استفتاء على الاستقلال من بريطانيا مرة أخرى، حال خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بطريقة تضر بمصالح اسكتلندا الاقتصادية. فيما يستغل الديمقراطيون الأحرار حالة الزخم السياسي والنجاحات التي حققها في الانتخابات المحلية والبرلمان الأوروبي. حزب «الديمقراطيون الأحرار» لا يفضل الخروج نهائياً ويدعم استفتاء آخر على بريكست. فيما لا تلوح في الأفق بوادر فرص كبيرة لأحزاب الخضر والديمقراطي الاجتماعي في ويلز، ولحليف جونسون الحالي في أيرلندا الشمالية الحزب الوحدوي.
لذلك لا يبدو أن السيناريوهات تحمل كثيراً من المفاجآت، من حيث من يتصدر المشهد ويحصل على المركزين الأول والثاني، فبنسبة كبيرة لن يخرج عن العمال والمحافظين. لكن المفاجآت قد تكمن في عدم حصول أي حزب على أغلبية تؤهله للانفراد بتشكيل حكومة. كما قد لا يعول كلية على نتائج استطلاعات الرأي، فنفس مؤسسات استطلاعات الرأي توقعت فوزاً كبيراً للمحافظين في 2017 لكنه خسر الأغلبية في النهاية. وإن لم يفز أحد الحزبين الكبيرين بالأغلبية سوف يكون برلماناً مفتتاً يعمق من معضلة بريكست.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"