«حكومة الفصائل» تفصل الفلسطينيين!

03:19 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

تزداد الأزمة الداخلية الفلسطينية تعقيداً، بعد فشل الجهود المصرية في تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس. وبعد قرار حل المجلس التشريعي الفلسطيني من دون الاتفاق على إجراء انتخابات عامة جديدة في موعد محدد، دخلت الأزمة الداخلية مفترقاً خطيراً جديداً تمثل في الصراع على تشكيل الحكومة الجديدة.
قدمت حكومة «الوفاق الوطني» التي يرأسها رامي الحمد الله استقالتها، لتفسح المجال لتشكيل «حكومة فصائلية» أوصت اللجنة المركزية لحركة فتح بتشكيلها. وتباينت مواقف الفصائل الفلسطينية من «الحكومة الفصائلية» التي تبيّن أنها ستكون حكومة فتح، أساساً، لغياب الفصائل الأساسية الأخرى عنها.
ولا بد من الإشارة أولاً عند محاولة قراءة المشهد الفلسطيني الراهن إلى عمق الأزمة التي تعيشها القضية الفلسطينية عموماً، والتي لا يسهم تصاعد الأزمة الداخلية في التخفيف من عواقبها. وعلى الرغم من نجاحات دبلوماسية وسياسية فلسطينية في بعض المحافل الدولية، فإن مكانة القضية الفلسطينية على الصعيدين الدولي والعربي تراجعت بشكل ملموس. فالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للاحتلال، ووقف الدعم الأمريكي عن «أونروا» وعن السلطة الفلسطينية عموماً، ترك أثراً ملموساً في الوضع. وتحاول الإدارة الأمريكية دفع قوى دولية أخرى، إلى مواصلة الضغط على السلطة والفلسطينيين لتطويع إرادتهم ودفعهم إلى القبول ب«صفقة القرن».
ومن الجهة المقابلة يتفاقم الوضع الاقتصادي في مناطق السلطة، سواء في الضفة أو القطاع. وقد أشارت تقارير دولية، إلى أن الوضع الإنساني والاجتماعي في قطاع غزة، مترد جداً؛ حيث إن معدل البطالة بلغ 70%، كما أن 50% من سكانه دون خط الفقر.
غير أن الحال في الضفة الغربية ليس مزهراً؛ إذ تراجع النمو الاقتصادي في العام 2018 بنسبة 2% على الأقل. كما أن العجز في ميزانية السلطة يزيد على 8.2% من الناتج المحلي، ويفوق 1.24 مليار دولار.
ولا يقل خطورة عن ذلك، أن الجمود السياسي وتفاقم الوضع المعيشي، واستمرار الأزمة الداخلية، وتعميق الانقسام، خلق نوعاً من التفكيك لأبعاد القضية والهوية الوطنية. فالإجراءات التي اتخذتها السلطة في السنوات الماضية ضد قطاع غزة، خلقت أجواء معادية لامست مفاهيم الوحدة الوطنية. كما أن استمرار الانقسام، ووجود سلطتين متصارعتين في الضفة والقطاع، زاد الضجر لدى كثيرين من إمكانية استعادة الوحدة الوطنية.
وأمام هذا الواقع المرير جاء الحديث عن استقالة حكومة «الوفاق الوطني»، والبحث في تشكيل «الحكومة الفصائلية». ومما لا ريب فيه، أن المسميات لا تنطوي بالضرورة على التصاق بالواقع. فحكومة الوفاق كانت عرضة لاتهامات كثيرة بين فتح وحماس. وقد اتهمتها حماس مراراً بارتكاب جرائم بحق الوطن. كما أن هذه الحكومة على الأقل بسبب رئيسها وعدد من المتنفذين فيها كانت عرضة لانتقادات كبيرة من جانب فتح ذاتها. وفي الوقت نفسه فإن «الحكومة الفصائلية» ليست سوى تهرب من واقع مرير إلى واقع أشد مرارة، من الانقسام إلى الانفصال. فالفصائل المراد تشكيل الحكومة منها، هي فصائل منظمة التحرير، مما يعني إخراج حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما، من الفصائل الإسلامية من المعادلة. وقد تبع ذلك إخراج من يختلفون مع فتح من فصائل منظمة التحرير، كالجبهتين الشعبية والديمقراطية، والمبادرة الوطنية، من المعادلة بسبب رفضهم الانضمام لحكومة يرون أنها تعزز الانقسام ولا توفر حلاً وطنياً.
والواقع أن «الحكومة الفصائلية» كانت نوعاً من المخرج للتخبط الذي تعيش فيه قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله. ولاحظ كثيرون الخلافات التي دارت حول عقد المجلس الوطني الأخير وتفويضه لصلاحياته للمجلس المركزي، وتحدث ناطقون بلسان المنظمة عن أنها تسترد حقها بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهي التي أنشأت السلطة ذاتها، غير أن هذا المنطق اصطدم بواقع أن هناك كيانات دولية، مثل الاتحاد الأوروبي، لم تبد ارتياحاً للقفز الرغائبي بين شرعية صناديق الانتخابات و«الشرعية الثورية».
وربما يكون هذا ما دفع القائمين على تحديد سياسة السلطة، إلى العمل وفق نوع من الحل الوسط: حكومة سلطة، ولكن فصائلية من منظمة التحرير.
ومن المؤكد أن الحكومة الفصائلية في أفضل أحوالها، ليست أكثر من وضع مؤقت ضمن منطق إدارة الأزمات بانتظار حدوث تطورات مرغوب فيها. صحيح أن قادة فتح يصرون على أن اللجوء لهذا الخيار، جاء بعد أن ضاقت بهم سبل البحث عن حل أكثر منطقية مع حماس، ويطلقون بين الحين والآخر تعابير من نوع أن هذه الحكومة هي التي ستشكل مؤسسات دولة فلسطين، وستنقل الوضع من حالة التوافق مع المحتل إلى حالة الاصطدام معه، وهم ضمن هذا المنطق يتهمون من يرفضون اللحاق بالركب، بعرقلة تحقيق الحلم الفلسطيني في إنشاء دولة مستقلة. وواضح أن المقصود خلق تناقض بين فصائل المنظمة، وكأنها جسم واحد، والفصائل الفلسطينية باعتبارها خارجة عن الصف الوطني.
وهناك في الحلبة الفلسطينية من يرون أن الصراع على الحكومة وشكلها، هو امتداد للصراع على تحديد هوية ووجهة منظمة التحرير، في إطار الصراع على تركة الرئيس محمود عباس. فالرئيس عباس يتولى رئاسة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وحركة فتح. وواضح أن منطق المحاصصة لم يتكرس بالشكل المطلوب في الإطار الكلي للعمل الفلسطيني، فصار من الواجب تحقيقه في الإطار الجزئي. وتكفي نظرة واحدة إلى ما جرى في حركة فتح، وما جرى على صعيد المنظمة، لفهم ما يجري على صعيد السلطة. وهذا ليس قائماً في الضفة وحدها، وإنما هناك مظاهر له في القطاع أيضاً.
وتحاول حماس الرد على خطوات فتح في الضفة برسم معالم طريق مقابل في غزة. ومنذ زمن تتحدث حماس مع بعض الفصائل، حول التوافق على تشكيل حكومة لعموم فلسطين، وإن لم يكن ذلك ممكناً، فعلى الأقل حكومة أو لجنة لإدارة قطاع غزة.
وأفصح عن ذلك علناً، القيادي في حماس عاطف عدوان، حين قال إن «حركة حماس لديها خيارات متعددة للرد على تشكيل حكومة جديدة في الضفة»، بما في ذلك «تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإن الفصائل الوطنية مدعوة للمشاركة في تحمل أعباء الوطن».
وأضاف أن حكومة الفصائل (الوحدة الوطنية)، أحد الخيارات للرد على تشكيل الحكومة بالضفة، إضافة إلى خيار إحياء اللجنة الإدارية، أو تشكيل حكومة إنقاذ وطني من التكنوقراط.
وقد بينت الجبهتان الشعبية والديمقراطية والمبادرة الوطنية، وهم ثلاث من خمس قوى في التجمع الديمقراطي، أنهم لن يشاركوا في أي فعل يعزز الانقسام لا في الحكومة الفصائلية الفتحاوية، ولا في لجنة إدارة القطاع الحمساوية.
ومن الجائز أن يوفر هذا الموقف في المستقبل القريب، أرضية للتقريب بين الموقفين المتناقضين، الضارين بالقضية الفلسطينية عموماً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"