«رقمية» يوم الأرض تهزم «فيروس» الاحتلال

02:07 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

ترك تفشي وباء الكورونا في العالم وفي منطقتنا أثراً واضحاً على النضال الوطني الفلسطيني في مواجهته مع الاحتلال الصهيوني لجهة تكييف وسائل النضال. وبعد أن كان الفلسطينيون يرون في التظاهرات الجماعية، وخصوصاً في ذكرى يوم الأرض في 30 مارس، إحدى أهم وسائل تعبيرهم عن رفضهم للاحتلال وسياسات مصادرة الأراضي والاستيطان، جاءت الكورونا لتحول دون هذه التجمعات، فتفتقت عقلية النضال الوطني عن فكرة «التظاهرة الرقمية» التي تنقل مظاهر الاحتجاج من الشارع والميادين الممنوعة مؤقتاً إلى الفضاء الرقمي من ناحية وإلى الواقع قدر الإمكان وبما لا يخالف متطلبات السلامة الصحية.

مثلما انطلقت مبادرة الدعوة ليوم الأرض الأصلية في العام 1976 من داخل الأراضي المغتصبة عام 1948 لتغدو مناسبة فلسطينية عامة في الوطن والشتات، جاءت أيضاً مبادرة التظاهرة الرقمية لتتبناها كل فصائل العمل الوطني الفلسطيني. ويرمز يوم الأرض إلى الهبّة الشعبية التي خاضها الفلسطينيون في مناطق 48 في 30 مارس 1976 رداً على قرار الاحتلال مصادرة 21 ألف دونم من أراضي الجليل والمثلث والنقب، التي سقط فيها ستة شهداء برصاص الاحتلال. وقد عبرت تلك الهبّة عن شدة تمسك الفلسطينيين بأرضهم ورفضهم لسياسات التهويد والسرقة المتواصلة للأرض والهوية الوطنية والموروث التاريخي. ودللت الدعوة الجديدة للتظاهرة الرقمية على أن لا شيء يحول دون الفلسطيني والمتضامنين معه عن تأكيد تمسكه بهويته وأرضه.
وقد دعت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في مناطق 48 وللمرة الأولى في الذكرى 44 ليوم الأرض الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم إلى إحياء المناسبة ببث جماعي منظم على وسائل التواصل الاجتماعي في الساعة الخامسة من مساء الثلاثين من مارس. وطلبت أن يتم ذلك عبر البث المباشر للصور من نوافذ بيوتهم ومن أسطح منازلهم في ظل التزام بعدم الاختلاط تفادياً للإصابة بالكورونا. وعرضت أن تكون هذه التظاهرة مع أناشيد وطنية وحمل أعلام وتغيير خلفيات الصفحات الاجتماعية بما يتناسب مع هذه المناسبة. وشددت على أن اختيار هذا الأسلوب يأتي من أجل الحفاظ على ديمومة إحياء الذكرى الخالدة ليوم الأرض والحفاظ أيضاً على سلامة الجمهور الفلسطيني العامة.

مسيرات العودة


وكان يتم إحياء هذه الذكرى السنوية في العادة عبر تظاهرات شعبية ومهرجانات مركزية في الكثير من مدن فلسطين وقراها وكذلك في أماكن وجود الفلسطينيين وأنصارهم في العالم. وفي العامين الأخيرين اتخذ الاحتفال بيوم الأرض طابعاً مختلفاً عندما ارتبط أيضاً ب«مسيرات العودة» التي انطلقت في البداية من الخارج ثم تكثفت عبر تبينها من الهيئة الوطنية لمسيرات العودة في قطاع غزة. وصارت مسيرات العودة واحدة من أهم تظاهرات الصدام مع المحتل على حدود القطاع ولم تعد سنوية وإنما صارت أسبوعية وأحياناً يومية. وليس صدفة أن تأتي الدعوة للتظاهرة الرقمية بعد أن آثرت الهيئة الوطنية لمسيرات العودة إلغاء مسيرة يوم الأرض بسبب انتشار كورونا وفق مقتضيات السلامة العامة ولمنع تفشي المرض.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي تجاوباً واسعاً مع دعوة لجنة المتابعة العليا وفصائل العمل الوطني. وانتشرت على هذه الوسائل مظاهر بثت من بيوت وقرى ومدن فلسطينية مختلفة لأشكال التعامل مع هذه الذكرى. واختار البعض فقط تغيير خلفية صفحاتهم الاجتماعية إما برفع علم فلسطين أو بإبراز التحية للمناسبة واستذكار شهدائها. كما أن الكثير من الوسوم تجاوبت مع فكرة ارفع علمك. ومع ذلك فإن اتساع رقعة التجاوب عبر النشاط الإلكتروني لم يمنع الفلسطينيين خصوصاً في مناطق 48 من مواصلة تقليد زيارة قبور شهداء الذكرى في قراهم طبعاً مع الاحتياطات الصحية المطلوبة.
وشارك فنانون فلسطينيون في التظاهرة الرقمية عبر بث أشرطة لهم يغنون مع آخرين أغاني وطنية مثل «موطني» والنشيد الوطني الفلسطيني و«سنرجع يوماً إلى حينا» وأغاني تراثية تشدد على أهمية الأرض. ووفرت التظاهرة الرقمية فرصة للتعبير عن إطار واسع من الفعاليات الوطنية الفلسطينية المشتركة بعيداً عن الارتباط بمواقع جغرافية أو تجمعات زمانية محددة. ومن المؤكد أن التظاهرة الرقمية الجماعية شكلت وسيلة جديدة من وسائل النضال الوطني الفلسطيني سوف تستخدم من الآن فصاعداً بشكل أوسع وليست بديلاً للعمل الميداني. ويؤكد فلسطينيون أن المعنى الفعلي لهذه التظاهرة هو التشديد على أن القضية الفلسطينية ستبقى حاضرة رغم انشغال العالم بمكافحة كورونا. فلا شيء يعيق مواصلة تسليط الأضواء على الحق الفلسطيني في العيش بحرية وكرامة على أرضه ومنع الاحتلال من مواصلة العدوان.

فيروس الاحتلال


وكان ملاحظاً أن التظاهرة الرقمية حاولت الربط بين فيروس كورونا وفيروس الاحتلال وأقامت مقابلة بينهما في العديد من الأوجه والآثار. كما بينت أن الكورونا لم تمنع الاحتلال من مواصلة سياساته التمييزية ومصادرته للأراضي وتوسيع الاستيطان فضلاً عن استمراره في فرض الحصار الجائر على قطاع غزة. وأظهرت التظاهرة الرقمية مقدار معاناة الأسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال خصوصاً في ظل الكورونا وتزايد المخاوف على مصيرهم. وفي كل حال فإن التظاهرة الرقمية شكلت نوعاً من الرسالة المتواصلة للعدو الصهيوني تفيد بأن الصغار لا ينسون حتى لو مات الكبار وأن التمسك بالحق لا يغيب أو يتلاشى مع مرور الوقت. كما بينت التظاهرة الرقمية قدرة الفلسطينيين على تجاوز خلافاتهم والاتحاد في مواجهة الاحتلال.
وحيّت لجنة المتابعة العليا تجاوب الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم مع دعوتها للتظاهرة الرقمية وأعلنت في بيان لها «أثبتت جماهيرنا العربية الباقية في وطنها، ومعها سائر أجزاء شعبنا في مختلف أنحاء وجوده، أن راية يوم الأرض، هذا الحدث الاستثنائي الذي شكل انعطافة تاريخية في مسيرة شعبنا، لا ولن تنكس تحت وطأة أي ظرف، إذ شارك عشرات الألوف في الفعاليات الرقمية المتنوّعة، وفي رفع الأعلام وإطلاق الأناشيد على سطوح وشرفات المنازل، وغيرها من المبادرات الشبابية الخلاّقة التي شهدتها منصات التواصل الاجتماعي».
وواضح أن التجاوب مع دعوة التظاهرة الرقمية أعلى رسالة الاتحاد وتجاوز الخلافات وبيّن أيضاً ضرورة مواصلة تسليط الأضواء على الاحتلال وأفعاله. ولقد دفع ذلك أغلب المشاركين في هذه التظاهرة إلى توجيه الانتقاد أيضاً للقيادات الفلسطينية التي لا تزال بعيدة عن إنهاء الانقسام وتوحيد الصف. ويأمل كثيرون في أن تسهم هذه التظاهرة في مواجهة الاحتلال والكورونا في تصويب البوصلة وإدراك أن استمرار الانقسام سيلحق المزيد من الضرر بالقضية الفلسطينية وأهلها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"