«صيغة موسكو».. والحرب الأفغانية

02:42 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. نورهان الشيخ*

في سابقة هي الأولى من نوعها استضافت روسيا في 9 نوفمبر/تشرين الثاني محادثات سلام عُرفت ب«صيغة موسكو» للمشاورات حول أفغانستان، بين حركة طالبان وممثلين عن المجلس الأعلى للسلام، وهو مؤسسة سياسية غير حكومية أسسها رئيس أفغانستان السابق حامد قرضاي عام 2010 لتكون نافذة للمصالحة والحوار مع «طالبان»، وهو يمثل بدرجة ما الحكومة بالنظر لكون قيادته يتم تعيينها من قبل السلطات الأفغانية.
شارك وفد المجلس المكون من خمسة أشخاص في اجتماع موسكو بتوجيه من الحكومة الأفغانية، كما حضر الاجتماع سفير أفغانستان لدى موسكو، مما اعتبر مشاركة حكومية. الأمر الذي أضفى أهمية على اجتماع موسكو الأخير والذي كان اللقاء الرابع، حيث سبقه ثلاثة لقاءات خلال العامين الماضيين منها جولتان في فبراير/‏شباط وأبريل/‏ نيسان عام 2017 ضمن «صيغة موسكو»، التي تتمتع بحضور دولي وإقليمي واسع النطاق، حيث شاركت فيها دول منظمة شنجهاي للتعاون، الصين وباكستان والهند وإيران ودول آسيا الوسطى الخمس (كازاخستان، أوزبكستان، طاجيكستان، قرغيزستان، تركمانستان).
يعكس ذلك إدراك دول الجوار الأفغاني، وفي مقدمتها روسيا، للتدهور الشديد في الوضع الأمني بأفغانستان على النحو الذي أصبح يمثل تهديدا مباشرا لأمن دول منظمة شنجهاي جميعاً، وبروز «داعش» كتهديد وعدو مشترك ل«طالبان» وكابول ودول المنطقة. فقد انتشر التنظيم في الشريط الاستراتيجي، الذي ينطلق من حدود باكستان في ولاية ننجرهار وكونر المتلاصقة بولاية نورستان، وهي بدورها تقترب حدودها من محافظة بدخشان في أقصى الشمال الأفغاني المتاخمة للحدود الطاجيكية وحدود الصين. ووفقاً لتصريح نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن الروسي، فإن عدد أفراد التنظيم وصل إلى 2000 شخص، من بينهم 70% من الباكستانيين، و6% من الأوزبك، و4% من الشيشان، و3% من العرب، و1% من الصينيين، و14% من الأفغان. وكان عدد من التنظيمات الإرهابية في آسيا الوسطى قد بايعت «داعش» منها على سبيل المثال، «حركة أوزبكستان الإسلامية»، و«اتحاد الجهاد الإسلامي»، و«جماعة الأنصار».
من ناحية أخرى، يبدو أن الأطراف كافة أدركت صعوبة الحسم العسكري لصالحها، فقد كانت كابول تأمل في قرب هزيمة «طالبان» عسكريا بعد إعلان البيت الأبيض العام الماضي عن خطة لزيادة القوات الأمريكية في البلاد، لكن تبددت هذه الآمال مع تصعيد «طالبان» لهجماتها وفقدان كابول السيطرة على مساحات واسعة من البلاد.رغم أن الاجتماع «المغلق» لم يخرج بأي خريطة طريق أو أجندة عمل أو حتى بيان مشترك يمكن البناء عليه في المستقبل، وقاطعته كابول التي شددت على أن وفد المجلس الأعلى للسلام لا يمثلها، إلا أن انعقاده في حد ذاته يظل تطورا مهما، نظراً لرفض الأطراف الأفغانية لسنوات طويلة الجلوس معاً على طاولة المفاوضات، وتوافق المشاركون على مواصلة العمل ب«صيغة موسكو» بحثا عن تسوية سياسية في أفغانستان. وخلال المفاوضات طرحت روسيا رؤية تقوم على أهمية الحفاظ على وحدة أفغانستان، وإنهاء الصراع الدائر بتسوية سياسية شاملة. وقد اعتبر زامير كابولوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون أفغانستان، أن اللقاء مثل خطوة أولى وإن كانت متواضعة، نحو مفاوضات سلام شاملة في المستقبل، حيث اجتمع ممثلو الأطراف الأفغانية المتصارعة في قاعة واحدة مبدين الاستعداد لمحاورة بعضهم البعض، واعتبر اللقاء فريداً من نوعه باعتبارها المرة الأولى التي يحضر فيها وفد من حركة طالبان بشكل رسمي منتدى دوليا ذا تمثيل واسع. كما وصف رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان، شیر محمد عباس استانكازي، الذي ترأس وفد حركته في اجتماع موسكو، نتائج الاجتماع بأنها كانت «إيجابية».
لكن يظل هناك العديد من التحديات التي تواجه تقدم «صيغة موسكو»، أهمها موقف الحكومة الأفغانية التي وضعت شروطا اعتبرتها موسكو تعجيزية لإجراء مباحثات مباشرة مع «طالبان»، حيث أكدت الحكومة الأفغانية مراراً استعدادها للتفاوض بشرط أن يكون في «إطار الدستور الأفغاني»، ما يعني ضمنيا مطالبة «طالبان» بالاعتراف بشرعية السلطة القائمة في كابول، وهو ما ترفضه الحركة، التي تعتبرها نظاما «عميلا» للخارج يعتمد على الجيوش الأجنبية لضمان بقائه. وفي المقابل اشترطت «طالبان» سحب كافة القوات المسلحة الأجنبية من أراضي البلاد لإطلاق المفاوضات، وهو أمر مرفوض من الحكومة وحلفائها. وطالما رفضت واشنطن أي حوار مع «طالبان»، قبل أن تعدل عن موقفها وتنخرط في عدد من جولات المفاوضات المباشرة مع ممثلي مكتب الحركة في الدوحة. في ضوء ذلك يظل الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، الذي يقدر ب16 ألف جندي، عقبة رئيسية للتسوية خاصة أن الرؤية الأمريكية، خلافاً لنظيرتها الروسية، أميل إلى الفيدرالية في أفغانستان، والتي قد تؤدي عملياً إلى تقسيم البلاد على أسس عرقية، ومزيد من إضعاف الحكومة المركزية في كابول.
إن إجراء مباحثات مباشرة بين الأطراف الأفغانية أمر ضروري لتجاوز الخلافات وصياغة التفاهمات التي تكفل تسوية وسلاما مستقرا يمهد لإطلاق عملية تنموية شاملة، يمكن من خلالها مواجهة العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تمثل بيئة مواتية لنمو وانتشار الإرهاب، وفي مقدمتها الفقر والبطالة التي تعتصر المجتمع الأفغاني وتزج بآلاف الشباب للانخراط في التنظيمات الإرهابية المختلفة.

*متخصصة في الشؤون الروسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"