أحمد بهاء الدين شاعرا

كامل الشناوي هدده بنشر قصائده
13:22 مساء
قراءة 3 دقائق

كأن الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين يأبى أن يفارق الحياة، فها هو يطل علينا من خلال كتاب تلميذه مصطفى نبيل الصادر عن سلسلة كتاب الهلال بعنوان في صحبة أحمد بهاء الدين حيث سعى نبيل للعمل في الصحافة مع بهاء الدين، صيف 1958 فكان آنذاك رئيسا لتحرير جريدة الشعب ثم ما لبث أن انتقل إلى دار أخبار اليوم بعد أن انضمت الشعب إلى جريدة الجمهورية.

نبيل يصف بهاء الدين قائلا: رأيته يختلف عن غيره من أساطين صحافة ذلك الزمان، فهو صاحب نغمة جديدة وصوت خاص وروح شابة ونظرة عقلانية لحياتنا.. كنت أراه إنسانا نادرا وكاتبا من نوع فريد، يتناول أفكارا جديدة، ويبشر بمستقبل تحتل الحداثة فيه مكانا بارزا، لا يغفل التاريخ أو التراث الفكري والأدبي، واستمرت علاقة التلميذ بالأستاذ، وقد بدأت بمحاولة من بهاء صرفه عن العمل بالصحافة، وفترة عمل قصيرة، حين كان نبيل طالبا، وهنا يذكر أن بهاء الدين دعاه إلى شرب الشاي معه في بيته، وكانت الشقة تتكون من حجرة واحدة في الطابق الأخير من إحدى العمارات وفي الصالة مكتب صغير ورفوف كتب، وعلى جدرانها لوحات لكبار الرسامين.

ويعمل مصطفى نبيل في وكالة أنباء الشرق الأوسط، إلى أن يستدعيه بهاء الدين للعمل معه في دار الهلال أوائل العام ،1964 وكما يقول نبيل فإن هناك قواعد كانت تحكم العمل مع بهاء الدين، منها: لا يتغير حرف واحد مما تكتبه إلا بعد العودة إلى الكاتب، وعندما يقول رئيس التحرير مثلا: أراك غدا في الساعة العاشرة ويضطر للتأخير في الوصول إلى مكتبه تفاجأ به يتصل قبلها، ويبلغ صاحب الشأن بأنه سيتأخر نحو نصف الساعة.

وفي الكويت قضى نبيل أخصب سنوات عمره مع بهاء عندما كان رئيسا لتحرير مجلة العربي باقترابه من حياته البسيطة حياة بلا تكلف ولا اصطناع. لكن ما سر أحمد بهاء الدين أو سبب جاذبيته والقبول الكبير الذي كان يتمتع به والصدقية التي حققتها كتاباته؟

نبيل يرى أن مفتاح شخصية بهاء الدين هو ذلك المزيج بين الوطنية والمعرفة، المزيج بين الحس الوطني العالي والقدرة الفائقة على التحليل والنفاذ إلى المستقبل مع سمة إنسانية وهي كلها بادية للعيان في شخصيته وأعماله.

ولم يكن غريبا لمن شجت رأسه في حادث كوبري عباس يوم 9 فبراير/شباط سنة 1946 خلال مشاركته في مظاهرة تطالب بالجلاء أن يكون أول ما نشره من كتب عنوانه الاستعمار الأمريكي الجديد الذي صدر في منتصف يونيو/ حزيران سنة ،1951 وظلت المسألة الوطنية، طوال حياته، على رأس اهتماماته ومركز كتاباته.

احتل بهاء مكانته في الحياة الفكرية والصحافية كالشهاب معتمدا على قدراته ومواهبه، ففي مايو/أيار عام 1956 ينشر كتابه مبادئ وأشخاص ويومها كان عمره 29 عاما ورئيس تحرير مجلة صباح الخير، ونشر أربعة كتب هي الاستعمار الأمريكي الجديد، وفاروق ملكا، وأيام لها تاريخ، وشهر في روسيا، وترجم عن الزعيم الهندي نهرو كتاب الثورات الكبرى..

وتظهر محنة بهاء الدين بعد أن احتل أرفع المناصب في الصحافة المصرية، إذ وجد نفسه بلا عمل، حين نقله السادات من الأهرام إلى مصلحة الاستعلامات قبل حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 مع 120 صحافيا وكاتبا، منهم يوسف إدريس ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، ويرفض بهاء تنفيذ النقل ويكتفي بالبقاء في البيت، وفي وضع لا يستحق فيه معاشا.

وبعد مرور سنتين على حرب أكتوبر، وكان بهاء رئيسا لتحرير الأهرام بدلا من علي أمين، في هذه الأثناء أصيب بهاء بجلطة في الدماغ أوائل عام ،1975 وانتهت تلك التجربة المريرة بذهابه بعيدا ليترأس تحرير مجلة العربي في أوائل عام ،1976 وعاد إلى مصر في أكتوبر/تشرين الأول 1981 ليكتب يومياته في الأهرام، وتعرض للإصابة الخطيرة مرة ثانية يوم الجمعة 23 فبراير/شباط،1990 ليقطع رحلة طويلة مع المرض استمرت ست سنوات ليرحل عن الحياة في 24 أغسطس/آب 1996. ويكشف مصطفى نبيل عن جانب خفي في شخصية بهاء الدين الكاتب، حين يقلب صفحات مجلة فصول التي عمل بها في أوائل حياته، ويعثر على قصائد منشورة باسمه، ويقدم رجاء النقاش دراسة متميزة في مجلة الهلال حول قصيدتين نشرهما بهاء في هذه المرحلة من حياته وعند قراءتها تجد في شعره روحا رومانسية مليئة بالحزن والتشاؤم، إذ كتبها عام 1947. وفي هذه الفترة كانت المدرسة الشعرية السائدة والمسيطرة على الساحة الأدبية هي المدرسة الرومانسية، وإذا كانت هذه النصوص ليست مهمة في ذاتها إلا أنها تدل دلالة واضحة على أن بهاء بدأ شاعرا، وأن شاعريته هي التي جعلته كاتبا صاحب أسلوب متميز.

ويروي بهاء أن كامل الشناوي كان قد عثر على قصيدة له منشورة في مجلة الفصول وكان دائم التهديد بأنه سينشرها ولحسن الحظ لم ينفذ تهديده، كما قال بهاء الدين ذاته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"