أطلال قصر المتاهة.. حكاية إغريقية في مصر

إحدى عجائب الدنيا السبع في التاريخ القديم
23:47 مساء
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»

تحكي أطلال معبد «اللابرانت» في صحراء هوارة المتاخمة لمدينة الفيوم المصرية، حكايات أسطورية عن ذلك المعبد الأشهر في التاريخ الفرعوني القديم، الذي اعتبره كثير من الرحالة القدماء إحدى عجائب الدنيا السبع في التاريخ القديم، بل إنه كان يفوق في نظر كثيرين منهم معظم المعابد والآثار المصرية القديمة فخامة ومهابة، ومن بينها أهرام الجيزة ومعبد الكرنك.
ويرجع تاريخ بناء هذا المعبد المنيف إلى عصر الملك «أمنمحات الثالث»، وقد بني في صحراء هوارة بالقرب من هرم هوارة المدرج، وسمي «قصر التيه»، نظراً لكثرة الممرات داخله، فضلا عن عدد غرفه التي كانت تزيد على 3000 حجرة، ما كان يجعل من دخول القصر مغامرة محفوفة بالخطر، لمن لا يعرف طريق الخروج.

ويصف المؤرخ والرحالة العالمي الشهير هيرودوت معبد اللابرانت بأنه «بناء يفوق الوصف»، وقد كان الكهنة في الماضي يدخلون إليه وهم يحملون في أيديهم خرائط خاصة، تتضمن الممرات داخله، والطريق الذي يجب أن يسلكه الداخل إليه، حتى يتمكن من الخروج، ولا يقضي حتفه داخل تلك المتاهة العظيمة.

ممرات فرعية

ويرجع بناء هذا المعبد العظيم إلى تأثر الحضارة الفرعونية القديمة، بالحضارة الإغريقية، التي عرفت مثل هذا البناء، وشيدت مثله، على نحو ذلك المبنى ذي الممرات الفرعية المعقدة، الذي بناه «ديدالوس» للملك مينوس ملك كريت، حسبما تقول الأسطورة الإغريقية القديمة، وقد أراد الملك أن يجعل من هذا المبنى سجناً لوحش أسطوري، كان يطلق عليه في الأساطير الإغريقية القديمة اسم «المينطور»، وهو كائن خرافي كان يهاجم الناس، ولا يتوقف عن التنكيل والدمار، إلا إذ ضحى الشعب كل عام بسبعة من خيرة شباب أثينا القديمة، وسبع من الفتيات العذارى فائقات الجمال، ولعلها الأسطورة التي لعبت دوراً كبيراً فيما بعد، في ظهور طقوس «عروس النيل»، حيث ظل المصريون القدماء يقدمون فتاة عذراء جميلة في موسم الفيضان كل عام، قرباناً للنهر، حتى لا يحطم البيوت ويتلف الزرع.

وتروي الأساطير الإغريقية أن «ثسيوس»، ابن الملك الأثيني ذهب إلى المتاهة وقتل الوحش، قبل أن يتمكن من شق طريقه إلى الخارج، خلال الممرات الفرعية الملتوية، بعدما زودته «أريادنه» ابنة مينوس بكرة من الخيط، ليستخدمها في طريقه إلى الداخل، ثم يتعقب هذه الخيوط عند الخروج فلا يضيع في المتاهة.
كان معبد اللابرانت، يتكون من اثني عشر بهواً، تفضي إلى ثلاثة آلاف غرفة، نصفها تحت الأرض ونصفها الآخر فوقها، أي أنه كان مكوناً من طابقين، وتشير العديد من المراجع التاريخية إلى أن الغرف العليا للمعبد، كانت تتميز بسقوفها المنقوشة بالألوان الزاهية، فيما كان يحيط بكل بهو أعمدة ضخمة مصنوعة من الأحجار البيضاء، لا تزال بعض آثارها باقية في الموقع الذي كان يضم المعبد، إلى جانب قطع من الجرانيت الفاخر، وأعمدة الحجر الجيري.

بناء ضخم

يربط بعض المؤرخين القدماء بين الملك الفرعوني القديم «أمنمحات الثالث» الذي ذكروه باسم «لاماريس» Lamarres، وبين هذا البناء الضخم، الذي أطلقوا عليه اسم «لابيرنثوس» Labyrinthus، الذي اختصر في اللغة العربية إلى «اللابرانت»، وقد استعار الاسم المؤرخون الإغريق من اسم قصر الحاكم في مدينة «كنوسوس» بجزيرة كريت القريبة من اليونان، استناداً إلى تشابه المتاهة في بعض الإنشاءات الإغريقية القديمة، فقد كان «اللابرانت» في حقيقته بناء ضخماًً يساوي في مساحته معبدي الأقصر والكرنك مجتمعين، فيما كان يتألف من عدة قصور مجتمعة، تساوي في عددها المقاطعات التي كانت موجودة في القطر المصري في ذلك الزمان.

وتتضمن الأجزاء السفلية من معبد اللابرانت رفات اثني عشر ملكاً من ملوك الأسر الفرعونية المختلفة، إلى جانب رفات التماسيح المقدسة التي كانت ترمز إلى إقليم الفيوم، وقد ظل المعبد على حاله لقرون من الزمان، قبل أن تمتد إليه يد سكان «أهناسيا» في مصر الوسطى، ليستعملوا حجارته في بناء بيوتهم، بل إنه تحول في بعض الأزمنة إلى «محجر» تقطع منه الحجارة للبناء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"