أطلال مُلك قارون في مصر تحيّر الآثاريين

الدراسات التاريخية لم تحسم أمرها بعد
01:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»:

يمزج قصر ومعبد قارون الكائن في محافظة الفيوم، بجمهورية مصر العربية، بين الحقيقة والأسطورة في تباين يدعو للحيرة ويثير الإعجاب في آن، إذ لا يزال كثير من الباحثين في علوم التاريخ والآثار، يبحثون عن إجابة شافية تحدد تاريخ هذا المبنى العتيق، وهل كان بالفعل هو ما تبقى من بيت قارون الذي روى القرآن الكريم جانباً من سيرته، قبل أن يخسف الله به وبداره الأرض، أم أنه صرح أثري آخر تأسس في نفس الفترة التاريخية التي شهدت ظهور أغنى أغنياء العالم القديم في مصر، والتي يقدرها علماء التاريخ بالقرن الثالث قبل الميلاد.
يطل قصر قارون على الطرف الجنوبي للبحيرة التي تحمل الاسم نفسه في الفيوم، وهو ما يمكن أن يفسر إلى حد كبير سر التسمية، بعيداً عن حيرة الدراسات التاريخية التي لم تُحسم بعد، ما إذا كانت تلك الأطلال تخص قارون أم شخصاً غيره، خصوصاً أن المبنى يحاكي في معماره الطريقة التي بنى بها الفراعنة بيوتهم في ذلك الزمان الغابر، وإن كانت بعض الدراسات تذهب إلى أنه يمثل ما تبقى من معبد «دينيسيوس» وهو أحد المعابد الرومانية القديمة التي أنشئت في مصر في غابر الزمان.
يتميز المبنى العتيق بطرازه الروماني، ويبلغ عرضه نحو 21 ياردة، فيما لا يزيد طوله على29.5 ياردة، وهو يضم مدخلين أحدهما يقع بالجهة الشرقية، في مواجهة سور يصل طوله إلى 14 ياردة، فيما يتصدر واجهة المعبد من الخارج من ناحية اليمين، عمودان من الحجر الجرانيتي، يشبهان إلى حد كبير الأعمدة الموجودة في معابد الأقصر وأسوان.
ويزين مدخل معبد دينيسيوس قرص الشمس المنقوش ببراعة لافتة للنظر، حيث يتصدر قرص الشمس أعلى الباب الرئيسي الذي يفضي إلى بهو المعبد، الذي يضم «قدس الأقداس» كما هي الحال في أغلب المعابد الفرعونية، وتذهب العديد من الأساطير إلى أنه المكان الذي كان يجلس فيه قارون أثناء الخسف، ويدللون على ذلك بوجود حفرة عميقة أسفل المكان لم يتمكن أحد من العلماء الذين أخضعوا المعبد للدراسة، من الوصول إلى تفسير علمي لوجودها في هذا المكان على وجه التحديد.
ويضم المعبد سلمين أحدهما يقع بالجهة الشرقية، ويستخدم في فترات ما قبل الظهيرة، حيث صممت فتحات لإضاءة السلم، والآخر في الجهة الغربية ومن المرجح أنه كان يستخدم في فترات ما بعد الظهيرة، أما الدور الثاني فهو يضم العديد من الغرف، أشهرها ما يطلق عليها غرفة المؤن، وهي غرفة صممت بطريقة تجعل تخزين اللحم والحبوب يدوم لفترات طويلة، على غرار تصميم غرفة الدفن في الهرم الأكبر، ويمكن للزائر أن يلاحظ بسهولة آثار الحبال التي كانت تستخدم في رفع قطع اللحم وهي تتدلى من السقف.
ويتميز هذا المبنى العجيب بوجود فتحات عديدة تنتشر على جدرانه، ويقال إنها عبارة عن مداخل لسراديب موصولة بنفق، يؤدي إلى معبد قصر الصاغة القريب، حيث المنطقة التي كان يقيم بها المهندسون المشرفون على استخراج أحجار البازلت من تلك المنطقة في غابر الزمان، لكن هذه الفرضيات لم تثبت علمياً حتى اليوم، وتظل في حكم الروايات المتناثرة التي يتناقلها الأهالي في الفيوم دون دليل علمي.
ويتميز المبنى بنظام معماري دقيق، يوفر الإضاءة لمختلف الحجرات، عبر فتحات تنتشر على الجدران، لا تتعدى مساحتها نصف المتر، لكنها تضيء الغرفة بالكامل، أما فتحات التهوية فوضعت في مكان محدد لجذب الهواء البارد صيفاً، وطرد الهواء الساخن، وهو نفس الأسلوب المعماري الذي استلهمه المهندس المصري الشهير حسن فتحي في عمارته البسيطة التي تمزج بين الطرز المعمارية القديمة، باستخدام أدوات بيئية في منتهى البساطة والجمال.
ويعد المبنى هو الوحيد من نوعه الذي يتمتع بما يصفه المعماريون ب«نقاط الحماية»، وهي تتمثل في عدد من القنوات المخصصة لتصريف مياه الأمطار، فلا تؤذي الدور العلوي بتجمعها، بالإضافة إلى وجود تمثال لأسد مصنوع من الحجر الجرانيت، وضع في أحد جوانب القصر، وصُمم بشكل يسمح بدخول الرياح من خلال تجويف معين، وخروجه مرة أخرى من فمه، مصدراً صوتاً مفزعاً، يقال إن الهدف منه هو ردع اللصوص والعامة فلا يقتربون من أسوار القصر.
ما يزيد الحيرة بحق حول طبيعة هذا المبنى هو المنطقة المحيطة به، والتي تبدو وكأنها أقرب إلى آثار مدينة طمرت أسفل سطح الأرض، ولم يعد يظهر منها سوى أجزاء قليلة، لا تعكس فحسب سوى قمة كنز أثري كبير يوجد بالأسفل، وهو ما يعزز من روايات الأهالي حول أن هذا المبنى البسيط ليس إلا جزءاً من قصر منيف، كان يقيم فيه قارون، قبل أن يخسف به وبداره الأرض، لتظل هذه الآثار المتناثرة في المنطقة، شاهداً حياً على واحدة من أشهر القصص التي رواها القرآن الكريم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"