أم أحمد: طفولتنا كانت خالية من الروتين

عاشت حياة بسيطة على بحر الشارقة
05:04 صباحا
قراءة 5 دقائق
الشارقة: فدوى إبراهيم

تعتبر أم أحمد، واحدة من نساء الماضي الإماراتيات اللاتي يتسمن بإتقان كل شيء، نشأت في حي الشويهين على بحر الشارقة، درست وعملت ل 17 عاماً ككاتبة في العيادات الصحية، وبعد التقاعد استرجعت ما تعلمته في طفولتها من الصناعات اليدوية في مركز الحرف الإماراتية التابع لمعهد الشارقة للتراث، وتقدم برنامج «زاد البدو» على قناة الوسطى.
تحدثنا أم أحمد «موزة سيفان» عن الطفولة الممتعة التي عاشوها في أرجاء الفرجان قائلة: «كانت حياتنا بسيطة وطفولتنا حقيقية تجسد معنى الطفولة، نلعب خارج البيت وبين الأحياء، ولم تكن حياتنا روتينية بل على الرغم من بساطتها فهي حياة تحمل لنا ما هو جميل ومشوق ومتغير، فكنا نعيش فصل البرد في المريجة ومحيطها، بينما نقيّظ في الصيف بمنطقة النباعة، وحينها لم يكن هنالك سيارات متاحة لعامة الناس، وهو ما يدعونا لأن نمشي أياً كانت المسافات التي تفصلنا عن وجهاتنا، وما أذكره أننا حين نكون في النباعة ويأتي الفصل الدراسي نمشي أنا ورفيقاتي مسافة طويلة حتى نصل مدرسة «رابعة العدوية» التي درست فيها في منطقة قلب الشارقة حالياً بالقرب من مركز الشارقة للخط العربي، بينما يذهب الأولاد للقاسمية، ولا يتأفف أي منا، بل كنا في قمة السعادة ونحن نعود للفصل الدراسي الجديد، بل وننتظر الوقت الذي تفتح فيه المدارس»، والتعليم الحقيقي كان من خلال الذهاب لحفظ القرآن عند المطوعة عصراً، وكان ذلك كفيلاً بأن يعلمنا اللغة العربية.
وتشير أم أحمد: إلى أن المتعة لديهم كانت تتجسد باللعب، سواء داخل المنزل أو خارجه ، فكان هنالك بحسب مسمياتهم بحران، الكبير وهو ميناء السفن حالياً في واجهة قلب الشارقة، والصغير امتداد له؛ أي الساحل الذي هو حالياً الشارع الرئيسي الذي تسير عليه المركبات وتمتد عليه المحال الشعبية في منطقة قلب الشارقة، والذي تم ردمه لغرض الإعمار، وكانوا يسمونه في تلك الفترة البحر الصغير كونه بفعل المد يسقي نهاراً أي يمتد، وفي المساء يكون بحالة الجزر أو «يثبر» باللهجة المحلية أي ينحسر، فتخرج الطالبات من المدرسة يضعن حقائبهن جانباً ويدخلن البحر الصغير، وعلى إثر ذلك تعلمن السباحة.
عاشت أم أحمد في فريج الشويهين، وكانت المساكن التي تطل على بحر الشارقة حينذاك على أنواع، فمنها ما يسمى مخازن وهي عبارة عن غرف تقطنها العوائل، وتلحق بها خيام وأبنية أخرى مبنية بحجر المرجان البحري وأخرى من العريش، فالخيمة تكون للشتاء والعريش للصيف.
وحول حياتهم داخل المنزل والقيم التي تربوا عليها تقول أم أحمد: كنا نعيش في منزل واحد أنا وإخوتي الأربعة وأختي، وكان جدي لأبي متزوجاً زوجة ثانية تقطن في ذات المنزل ولديهما 7 أبناء، ولذلك كنا مجموعة كبيرة من الأطفال في منزل واحد، ومع ذلك لا نتشاجر معاً أبداً، وكان جدي حين يرى أحدنا قد أخطأ يعاقبنا جميعاً، يجمعنا في المخزن ويغلق الباب ويصيب كل منا بطرف عقاله دون ضرب مبرح، وذلك كي يتعظ الجميع ولا يكرر الخطأ أي منا».
وتستطرد أم أحمد بالقول: إنه حتى الفنون المقدمة في المناسبات كانت تحمل القيم، وليس كما يروج عنها الآن من أشكال لا تمت للحقيقة بصلة، ففرقة المعلاية هي فرقة من البسطاء لا يأخذون سوى ما يسد رمقهم، يدقون على الطبول ويرقصون رقصاً بسيطاً، بينما فرقة «العيالة» أو «رزفة البدو» فتتكون من رجال ذوي قيم عالية، وتشاركهم فتيات صغيرات تحت سن الزواج ويسمين «النعّاشات»، وتتسم تلك الفتيات بكون شعورهن طويلة، يأتين برفقة الأبوين للمشاركة في العيالة، وتكون الفتاة محتشمة تماماً بكندورة أو جلابية ذات أكمام طويلة تحتها سروال ورقبة ثوب عالية، وبدون أي تبرج ولا أي حركات لافتة سوى التمايل بالشعر، أما الرجال فيرزفون دون النظر لأي منهن.
تقول أم أحمد: إنه على الرغم من بساطة ظروف الحياة والطعام بشكل خاص، فإنهم لم يكونوا يمرضون كثيراً كما هو سائد اليوم، ولعل ذلك يرجع لعدة أسباب، من أهمها نظام الحياة اليومية الصحي والصارم، حيث كانت كافة المهن حركية، وكان النوم والصحو بوقت محدد، والطعام جميعه طازجاً، والاعتماد على التمر كان أساسياً.
وتحدثنا أم أحمد عن تلك الحياة قائلة: كان والدي مزارعاً، وأحد أجدادي صياداً، والآخر يعمل في السلك الشرطي، وكان طعامنا يعتمد على السمك الطازج الذي يجلبه جدي، والفجل(الرويد) الذي يجلبه أبي، والتمر، والعيش أي الأرز، وكان الغداء غالباً من العيش وإن لم يتوفر فيكون السمك، ويكون الفطور عقب صلاة الفجرة ويتكون عادة من(الجباب) وهو نوع من أنواع الخبز أوالرقاق، والخمير، أما الغداء فهو بعد صلاة الظهر مباشرة، تليه قيلولة حتى العصر، أما أهل البحر فينسجون شباك الصيد ويصنعون القراقير، والمزارع يذهب لمزرعته ليجني بعض الثمار، ويأتي لبيعها في السوق، وكانت الزراعة تتم في منطقة الرقة وشرقان والفلي حالياً، والمنطقة المقابلة لتلفزيون الشارقة حاليا كان فيها طواي (آبار الماء) التي يقصدها الناس لجلب الماء لمنازلهم ويحمل على الرؤوس، وهنالك من يحملون الماء على الحمير ويوزعونه على البيوت مقابل المال، ويسمى صاحب هذه المهنة ب «هاويه».
وتشير أحمد إلى أن الحياة كانت تكافلية إلى أبعد حد، فلا توجد مناسبة سعيدة أو حزينة إلا واجتمع عليها أهل الفريج، وإذا كان هنالك عرس فنجد منهن من تساهم بقدور الطهي، وأخريات بأكياس الأرز والسكر، وبالذبائح، والكل يجتمع على تنظيف الأرز ودق الحب والطهي.

كاتبة في وزارة الصحة

حين وصل أصغر أبناء أم أحمد إلى عمر 5 سنوات أتيحت لها الفرصة للعمل ككاتبة في وزارة الصحة، أي كتابة ملفات المرضى وقائمة الأدوية. وتشير إلى تلك الفترة قائلة: «كان العمل صعباً، لكنني كنت أحبه لأنه حقق لي شعوري بأهميتي في خدمة المرضى، فكنا نتنقل لعدة مراكز صحية، ونعمل في أوقات صباحية ومسائية، ولا نتذمر، فضلاً عن أن بساطة الحياة وتعاون الناس بين بعضهم بعضاً سهلا الكثير من الحياة، فكان مثلاً مديرنا في العيادة الصحية حين يرى أكفنا مزخرفة بالحنة يسألنا إذا ما كان لدينا مناسبة عرس، وحينها يتكفل هو بالعمل المسائي ليمنحنا فرصة الذهاب للعرس». وتشير أم أحمد إلى أنها بعد التقاعد شعرت بملل لعدم عملها 3 سنوات، حتى التحقت بمركز الحرف الذي استطاعت فيه أن تجود بكل ما تعلمته في طفولتها.

تقاليد الزواج

تزوجت أم أحمد وعمرها 13 عاماً من أحد أفراد العائلة، إلا أنها واصلت دراستها مسائياً، وأتمت المرحلة الإعدادية، وعن تلك المرحلة تقول: «الزواج كان على أيامنا بسيطاً جداً، فالناس تعرف بعضها، لكن قد لا تعرف الفتاة من تقدم لها، إلا إذا كان من الأقارب الأقربين، فيكونان قد تربيا معاً مع بقية الأطفال في العائلة، خاصة أن البيوت كانت قريبة جداً من بعضها والأبواب مفتوحة، أما إذا كان قادماً من إمارة أخرى، فهنا لا يكونان يعرفان بعضهما، وعلى حسب وصف الناس والسمعة يتم الزواج، وبداية تأتي والدة الشاب وأخواته وعماته لمنزل الفتاة المتقدم لها ليرينها ، ومن العلامات التي يحرصن عليها ليتأكدن أن الفتاة تستطيع تحمل مسؤولية المنزل، هو رفع أحد أطراف الفراش؛ ليتحققن من نظافة ما تحته».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"