الإعراض عن منهج الله سبب تخلفنا

02:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
كل من تعرف إلى تشريعات الإسلام وحرص على بناء الإنسان بناء علمياً وصحياً ونفسياً صحيحاً، وكل من وقف على منظومة الإسلام العلمية والفكرية واهتماماته الحضارية وحرصه الشديد على الارتقاء بحياة الإنسان يدرك أن هذا الدين العظيم جاء ثورة حقيقية للقضاء على الجهل والتخلف، وكثير مما يعانيه المسلمون الآن نتيجة تجاهلهم لتعاليم وقيم وأخلاقيات دينهم .
ويحدد الاقتصاديون أربعة عوامل تمثل مظاهر أو معايير للتخلف وهي:
- الخلل الهيكلي للاقتصاد، ويتمثل في صور عدة منها التركيز على قطاع واحد من قطاعات الاقتصاد وإهمال باقي القطاعات وعلى الأخص التركيز على قطاع الزراعة أو قطاع التجارة والخدمات، وإهمال الصناعة خاصة الصناعات التحويلية، إلى جانب عدم استغلال الموارد المتاحة بشكل كفء .
- التخلف التكنولوجي ممثلاً في عدم تطوير الإنتاج بالعمل على إجراء البحوث العلمية المستمرة واستخدام نتائجها في تطوير المنتجات بما يؤدي إلى حسن استخدام الموارد المتاحة .
- الاعتماد على اقتصادات العالم الخارجي في توفير السلع والخدمات اللازمة، وبما يؤدي إلى التبعية وما تجره من التأثير في الاستقلال السياسي والثقافي للمجتمع وما تؤدي إليه من زيادة المديونية للعالم الخارجي .
- قلة نصيب الفرد من الدخل وبالتالي زيادة الفقر واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء .
إن الدول الإسلامية تمتلك كل عناصر التقدم والنهضة، حيث تبلغ مساحتها خمس الكرة الأرضية وتقع في مناطق متنوعة بها موارد مائية وزراعية وثروات عديدة لا يستغل منها إلا أقل القليل، كما أن القوى البشرية بها كبيرة تبلغ حوالي 5 .1 مليار نسمة يمثلون أكثر من عشرة أمثال سكان اليابان، و21 مثل سكان إنجلترا، وستة أمثال سكان الولايات المتحدة، ومع ذلك تزيد البطالة بينهم حيث تصل في المتوسط إلى حوالي 20% .
وبالإضافة إلى كل ذلك تتوافر للمسلمين من دينهم القيم والنظم الدافعة لبذل الجهد وتنظيمه، فكثيرة هي الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على العمل واستغلال الموارد التي سخرها الله لهم في السموات والأرض .
وهنا نتساءل: لماذا تخلف المسلمون اقتصادياً؟
الواقع أن الإجابة عن هذا السؤال المهم ليست صعبة وتتلخص في "الإعراض" عن منهج الله وسننه الكونية وهذا الإعراض يتمثل في الآتي:
- الإعراض العقائدي: وفيه يقول الله سبحانه وتعالى: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً"، والمعيشة الضنك هي التخلف بعينه لأنها تكون مع وفرة الموارد التي لا يكفي وجودها لتحقيق الرفاهية والتقدم، بل لا بد أن تكون معها العقيدة الخالصة القائمة على تقوى الله كما يقول سبحانه: "ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السّماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون"، كما يتمثل هذا الإعراض العقائدي في تعطيل الشريعة وما بها من تنظيم للعلاقات الاقتصادية واستيراد أفكار ونظم غير إسلامية .
- الإعراض السياسي، ويقول فيه الله سبحانه وتعالى: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"، وهكذا حال المسلمين اليوم الذين يجمعهم نطاق جغرافي واحد وأخوة إسلامية واحدة، ومع ذلك نجدهم دويلات ليس بينهم تعاون أو تكامل اقتصادي، ويظهر ذلك على وجه الخصوص في أن التجارة البينية بين دول العالم الإسلامي تبلغ حوالي 5 .9% فقط بينما تمثل تجارتهم مع دول العالم غير الإسلامي 5 .91%، كما أنه توجد حوالي تريليون دولار أموالاً إسلامية تستثمر في الغرب، بينما الاستثمارات البينية بين دول العالم الإسلامي لا تزيد على 70 مليار دولار .
هذا في الوقت الذي استكملت فيه أوروبا وحدتها الاقتصادية التي كانت بدايتها في العام 1957 رغم اختلاف الأجناس واللغات والقوة الاقتصادية لكل دولة، بينما يتعثر تنفيذ التكامل الاقتصادي العربي الذي بدأ في العام 1947 أو التكتل الاقتصادي بين الدول الإسلامية الذي بدأ في العام 1969 .
- الإعراض الاقتصادي: ويقول الله سبحانه وتعالى فيه: "وضرب اللّه مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنّة يأتيها رزقها رغداً من كلّ مكان فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون"، فها هم المسلمون لديهم نعم الله عديدة ممثلة في الموارد التي سخرها لهم والقوى البشرية الكثيرة العدد والقيم الدافعة للعمل والإنتاج ومع ذلك كفروا بها أي لم يلتفتوا إليها لأن الكفر يعني الجحود وعدم العرفان، فكان الجزاء "التخلف الاقتصادي" بينما دولة مثل اليابان لا تملك مثل هذه الموارد ومع ذلك تعاملت فيما عندها ولم تكفر بها فتقدمت اقتصادياً .
وهكذا يتضح أن أسباب التخلف الاقتصادي في العالم الإسلامي تتمثل في الإعراض عن منهج الله وسننه الكونية وعدم الاستفادة من القيم والنظم التي شرعها الإسلام لتنظيم حياة المسلمين ولدفعهم إلى بذل الجهد في تنمية الموارد التي أنعم الله عليهم بها، وتحقيق التقدم الاقتصادي .

د . محمد عبد الحليم عمر
* أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"