الاستثمار في الإنسان

01:09 صباحا
قراءة دقيقتين

د. محمد حمدان بن جرش


إن التنمية تتضمن بعداً إنسانياً، حيث تسعى إلى التطوير الشامل لسائر جوانب المجتمع ويكون الإنسان أداتها وغايتها في الوقت نفسه، ولم تعد التنمية تقاس اليوم بكمّ الإنتاج ونوعه، بل بما يطرأ على حياة الإنسان من تحولات إيجابية، وقد أثبت حصر التنمية في الجانب الاقتصادي دون غيره فشله المتمثل في عدم قدرته على تأمين تنمية حقيقية للمجتمعات، بل ربما أسهم بتبعية اقتصادية أعاقت التنمية، وبرهان ذلك أن ما هو مهم للمجتمعات النامية ليس الثروة بذاتها، بل كيفية استخدام الثروة، وهنا، فنحن على تماس مباشر مع الثقافة، إذ تتأكد يوماً بعد يوم العلاقة بين الثقافة والتنمية الشاملة، فالإنسان هو رأس المال الحقيقي، لذلك ظهرت دراسات عديدة تؤكد على دور التنمية الثقافية كمكون رئيس في مختلف المراحل التي تمر بها الدول في طريقها إلى عملية التنمية المستدامة المتكاملة، بل صرنا اليوم نشهد دولاً عديدة حققت قفزات اقتصادية وتنموية ملحوظة عن طريق الاهتمام بالثقافة بمعناها العام والمتجسد في تنمية رأس المال البشري، وتوظيف عناصر التعلم والمعرفة جنباً إلى جنباً مع تطوير واستحضار التراث والفولكلور والعادات والتقاليد المحلية، في إنجاز شامل يسعى إلى صنع الشخصية التنموية الثقافية المحلية القادرة على النهوض الحقيقي ببلادها، ومعرفة ما تحتاج إليه بالضبط والسعي إليه بمنتهى الثقة.
وبناء على النتائج التي حققتها تلك الدول في مجال ربط سياساتها الثقافية بالأبعاد التنموية الشاملة وأهدافها الكبرى، أدرك العالم المعاصر أهمية دور التنمية الثقافية في بناء الأفراد والمجتمعات التي تُكون عنصراً أساسياً لكل مشروع تنموي في حياة الإنسان، وانبرى الكثيرون لتفعيل دورها في الاستراتيجيات الوطنية، فلا يمكن أن يكون هناك مشروع ثقافي من دون تصور أبعاد مشروع تنموي، فالمشروع الثقافي جزء لا يتجزأ من المشروع التنموي، لذا يجب أن تكون التنمية كمشروع حاضرة في عقل من يخطط للتنمية الثقافية باعتبارها داعماً لهذا المشروع ومكملاً له، بل مؤثرةً ومتأثرةً به. وهذا ما أدركته ونفذته الشارقة مبكراً، عبر صياغات واعية جداً من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والذي وضع مشروعاً ثقافياً متكاملاً، يفسر ويشرح بطرق عملية وبمنجزات مبهرة مفهوم التنمية الثقافية على أكمل وجه.
ويلمس المتابع للحراك الثقافي في الشارقة مدى اهتمام صاحب السمو حاكم الشارقة بمسألة الاستثمار في الإنسان وتلبية حاجاته المجتمعية والاقتصادية والثقافية وحرصه على التنشئة الثقافية السليمة وإيمانه بأهمية دور الثقافة في التنمية وفي اجتثاث منابع الفكر الظلامي.
ونلاحظ نمو معرض الشارقة الدولي للكتاب من حيث الكم والكيف، ونشير أيضاً إلى أن الشارقة أضحت نموذجاً في البناء الثقافي وما حصدته من جوائز ثقافية وألقاب جاء نتيجة ذلك التخطيط واستشراف المستقبل والابتكار الدائم في المشاريع والبرامج الثقافية الذي اتبعه سموه، وهذا ما نشعر به خلال دخول معرض الشارقة للكتاب وتلك السعادة التي تغمر الناشر والكاتب والقارئ والعاشق للكتاب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"