الاستثمار (1 ــ 2)

01:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

نسمع اليوم كلمة الاستثمار، فيتبادر إلى الذهن مباشرة معناها الاقتصادي، مع العلم بأن كلمة استثمر في اللغة العربية من الثمر وله معان عدة.
فالثمر ما يحمله الشجر، والولد هو ثمر أيضاً، وثمر الشيء أي: نضج، وثمر ماله أي: كثر، وفي القرآن الكريم تكرر لفظ الثمر والثمرة والثمرات، وكلها أو في الغالب أريد بها ما تنتجه الاشجار والنباتات، قال تعالى: «ونقص من الأموال والأنفس والثمرات». (الآية 155 من سورة البقرة)
وهكذا استخدمته السنة النبوية، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزقنا من ثمرات الأرض». (رواه أحمد)
ولو بحثنا في المصطلحات الفقهية، نجد أن ما ورد هو لفظ التثمير، قال الإمام مالك: «الرشد هو تثمير المال وإصلاحه». (انظر بداية المجتهد ج2 ص 281)
وقالوا أيضاً: «الرشيد هو القادر على تثمير ماله وإصلاحه، والسفيه هو غير ذلك».
يقول الدكتور علي القره داغي: «قالوا التثمير وهو ما نعنيه اليوم بالاستثمار». (انظر كتاب مبدأ الرضا في العقود. دراسة مقارنة للدكتور القره داغي ج1 ص331 353).
إذاً فإن لفظ الاستثمار شأنه شأن مصطلحات اقتصادية كثيرة وردت اليوم ولم ترد بالأمس، والقاعدة الفقهية تقول: «ما قارب الشيء له حكمه».
والاستثمار عرف اليوم بأنه استخدام الأموال في الإنتاج، إما مباشرة بشراء الآلات والمواد الأولية، وإما بطريق غير مباشر، كشراء الأسهم والسندات.
يقول الدكتور علي القره داغي في كتابه «حكم الاستثمار في الأسهم»: «ويظهر لي من النصوص الشرعية ومقاصدها، أن الاستثمار على مستوى الأفراد مشروع، وقد ترد عليه الأحكام الخمسة، كما هي الحال بالنسبة لأموال اليتامى «حتى لا تأكلها الصدقة».
فالاستثمار مندوب إذا توافرت فيه الشروط الشرعية، ووجه الاستثمار لتحقيق الخير، والاستثمار يكون محرماً إذا تم بطرق غير مشروعة وهكذا.
أما على مستوى الأمة، فإن الاستثمار واجب على الكفاية، بمعنى أنه لا يجوز للأمة عامة أن تترك الاستثمار، لأن النصوص الشرعية أعطت أهمية كبيرة للمال في حياة الفرد والمجتمع، وسمت العامل والتاجر بالمجاهدين في سبيل الله تعالى.
فآية كآية: «ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها». (الآية 5 من سورة النساء)، وحديث كحديث: «اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة». (رواه الطبراني في الأوسط) يدلان على وجوب العناية بالمال، وهذه العناية لا تتحقق إلا من خلال استثماره بالطرق المشروعة.
ويذكر الماوردي في تفسيره حول قوله تعالى: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها» (الآية 61 من سورة هود): معناه: أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن وغرس أشجار، (انظر كتاب النكت والعيون للماوردي ج 2 ص 218).
يقول القره داغي: «من هنا فإن الاستثمار يندرج تحت القاعدة الفقهية المعروفة: «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».
والخلاصة أن حكم الاستثمار واجب كفائي على مستوى الأمة، وربما يكون حكمه الوجوب على مستوى الفرد، إذا كان له فائض من المال.
وقد نقل عن الإمام الأكبر الشيخ شلتوت قوله: «إذا كان من قضايا العقل والدين أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكانت عزة الجماعة الإسلامية أول ما يوجبه الإسلام على أهله، وكانت متوقعة على العمد الثلاثة: الزراعة والصناعة والتجارة، فإن هذه العمد تكون واجبه». (انظر منهج الادخار للدكتور رفعت العوضي ص 73).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"